لم حسن ما ذكرناه، ولم قبح ما قالوه؟ فلا نعلل قبح ما قالوه بعلة توجد في حسن ما ذكرناه، لأن ذلك يؤدى إلى اجتماع وجه والقبح في شئ واحد، وذلك لا يجوز، ولا نعلل أيضا حسن ما ذكرناه بعلة توجد فيما استقبحوه لمثل ذلك.
وإنما قلنا ذلك: لأنا متى عللنا قبح الخطاب بالزنجية، بأنا لا نفهم بها مراد المخاطب، وجدنا ذلك فيما علمنا حسنه ضرورة من خطاب الملك الخليفة، والواحد منا لغلامه، لأن خليفة الملك ووكيل أحدنا لا يعرف من خطابه المجمل الذي حكيناه مراده الذي أحاله في تفصيله على البيان، وإن عللنا قبحه بأنه مما لا فائدة فيه، فقد بينا أنه يمكن أن يدعى فيه فائدة وأنه لا يعدو أحد أقسام الكلام المعهود، ولابد أن يكون مريدا إذا كان حكيما لبعضها، وإن عللنا حسن الأمثلة التي علمنا حسنها بأنه يفيد فائدة ما أو مما يتعلق بالمخاطب به مصلحة، بأن يعتقد ويعزم على الامتثال عند البيان، ويوطن نفسه على ذلك، فهذا كله قائم في الخطاب بالزنجية، فلابد من التعليل بما لا يقتضي قبح ما علمنا حسنه، ولا حسن ما علمنا قبحه.
ويمكن تعليل قبح الخطاب بالزنجية بأنه غير مفهوم منه نوع الخطاب، ولا أي ضرب هو من ضروبه، ألا ترى أنه لا يفصل المخاطب بين كونه أمرا، أو نهيا أو خبرا، أو استخبارا، أو عرضا، أو يمينا، وفي المجمل يفصل بين هذه الأنواع والضروب، وإنما يلتبس عليه تفصيل ما تعلق الأمر به مما هو واقف به عن البيان، فهذه علة صحيحة في قبح الخطاب بالزنجية لا نجدها فيما علمنا حسنه من الأمثلة، ولا في المجمل الذي يجرى في الحسن مجراه.
وإن شئت ان تقول: العلة في قبح الخطاب بالزنجية أن المخاطب لا يستفيد منه فائدة معينة مفصلة، ولابد في كل خطاب من أن يستفاد منه فائدة مفصلة، وإن جاز أن يقترن بذلك فائدة أخرى مجملة، والخطاب المجمل مستفاد منه فائدة معينة