الاعلام، وتكون المصلحة لنا في التوقف في ذلك والشك وتجويز كل واحد من الامرين، وإذا لم يمتنع ان تتعلق المصلحة بشكنا والمفسدة باعلامنا جهة الفعل، لم يلزم اعلامنا على كل حال، وصار ذلك موقوفا على تعلق المصلحة بالأعلام أو المفسدة بالشك، فحينئذ يجب الاعلام، وذلك موقوف على السمع.
وليس لاحد أن يقول: ان هذا الذي فرضتموه يكاد يعلم ضرورة تعذره، لان الفعل لا يخلو من أن يكون قبيحا أو لا يكون كذلك:
فان كان قبيحا، فلا يكون كذلك الا للمفسدة. وان لم يكن قبيحا، فذلك الحسن.
وهذه قسمة مترددة بين النفي والاثبات، فكيف اخترتم أنتم قسما ثالثا لا يكاد يعقل؟، وذلك أن الفعل كما قالوا لا يخلو من أن يكون قبيحا أو لا يكون كذلك، ولكن لا يمتنع أن يكون للمكلف حالة أخرى تتعلق بها المفسدة والمصلحة، وهي الحالة التي يقطع فيها على جهة الفعل على التفصيل، وإذا كان ذلك جائزا لم ينفعنا تردد الفعل في نفسه بين القبح والحسن، واحتجنا ان نراعي حال المكلف، فمتى وجدنا المصلحة تعلقت باعلامه جهة الفعل وجب ذلك فيه، ومتى تعلقت المفسدة بذلك وجب أن لا يعلم ذلك، وكان فرضه الوقف والشك، وهو الذي لحضناه، ينبغي أن يتأمل جيدا فإنه يسقط معتمد القوم في أدلتهم.
وربما لم يتصور كثيرا من الذين يتكلمون في هذا الباب ما بيناه، ومتى تأمله من يضبط الأصول وقف على وجه الصواب في ذلك.
فان قيل: كيف يمكنكم ان تدفعوا حسن هذه الأشياء ونحن نعلم ضرورة حسن التنفس في الهواء، وتناول ما تقوم به الحياة طول مدة النظر في حدوث العالم واثبات الصانع، وبيان صفاته؟، وعلى ما قلتموه ينبغي أن يمتنع في هذه الأوقات من الغذاء وغير ذلك، يؤدى إلى تلفه وعطبه (1) ومن ارتكب ذلك علم بطلان قوله ضرورة.