وليس المراد بذلك النسخ لان ظاهره لا يقتضي ذلك.
وقد قيل: أنه يمحو ما يشاء مما يثبته الملك الموكل بالعبد في الصحيفة من المباحات، ويثبت ما يشاء مما يستحق عليه ثواب أو عقاب.
وقد قيل في تأويله غير ذلك مما قد بين في التفاسير (١).
والجواب عما تعلقوا به ثانيا من أمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام بذبح ابنه:
أنه إنما أمر بمقدمات الذبح من الاضجاع، وأخذ الحديد، وشد اليد والرجل، وغير ذلك، وقد يسمى مقدمة الشئ باسمه كما يسمى المريض المدنف بأنه ميت، فجاز أن يقول: ﴿انى أرى في المنام اني أذبحك﴾ (٤) ومراده ما قلناه.
ويدل على صحة ذلك: ما قدمناه من دليل العقل في أنه لا يجوز أن يأمر بالشئ ثم ينسخه قبل وقت الفعل (٢).
ويدل عليه أيضا: قوله ﴿صدقت الرؤيا﴾ (٣) فلو كان المراد به الذبح على الحقيقة لكان لا يكون مصدقا، ولما ذبح، فدل على أن المأمور به ما قدمناه.
وليس لاحد أن يقول: إذا كان الذبح غير مأمور به، فكيف نقول للذبيح:
(فانظر ماذا ترى) (٤) وهذا كلام جزع؟، وكيف قال: ﴿ان هذا لهو البلاء المبين﴾ (5) ومقدمة الذبح ليس فيها كل ذلك، وكيف فدى بذبح عظيم وليس المأمور به الذبح؟
وذلك أن إبراهيم عليه السلام لما امر بمقدمات الذبح، وكان في العادة أن مثل ذلك يراد بالذبح، ظن أنه سيؤمر بالذبح، فلذلك قال ما قال، فأما الفداء فلا يمتنع أن يكون ذبحا ويكون فداء عن الذي ظن أنه يؤمر به من الذبح أو عن مقدمة الذبح، لان الفداء لا يجب أن يكون من جنس ما فدى به، ألا ترى أن الهدي يفدى به حلق الرأس