اندارجهم في النبيين اندارجا بينا للإيذان بمزيد مزيتهم وفضلهم وكونهم من مشاهير أرباب الشرائع وأساطين أولى العزم من الرسال وتقديم نبينا عليهم عليهم الصلاة والسلام لإبانة خطره الجليل «وأخذنا منهم ميثاقا غليظا» أي عهدا عظيم الشأن أو مؤكدا باليمين وهذا هو الميثاق الأول بعينه واخذه هو اخذه والعطف مبني على تنزيل التغاير العنواني منزلة التغاير الذاتي تفخيما لشأنه كما في قوله تعالى ونجيناهم من عذاب غليظ اثر قوله تعالى فلما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا وقوله تعالى «ليسأل الصادقين عن صدقهم» متعلق بمضمر مستأنف مسوق لبيان ما هو داع إلى ما ذكر من اخذ الميثاق وغاية له لا بأخذنا فإن المقصود تذكير نفس الميثاق ثم بيان الغرض منه بيانا قصديا كما ينبئ عنه تغيير الأسلوب بالالتفات إلى الغيبة أي فعل الله ذلك ليسأل يوم القيامة الأنبياء ووضع الصادقين موضع ضميرهم للايذان من أول الامر بأنهم صادقون فيما سئلوا عنه وانما السؤال لحكمة تقتضيه أي ليسأل الأنبياء الذين صدقوا عهدهم عما قالوه لقومهم أو عن تصديقهم إياهم تبكيتا لهم كما في قوله تعالى يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم أو المصدقين لهم عن تصديقهم فإن مصدق الصادق صادق وتصديقه صدق واما ما قيل من ان المعنى ليسأل المؤمنين الذين صدقوا عهدهم حين أشهدهم على أنفسهم عن صدقهم عهدهم فيأباه مقام تذكير ميثاق النبيين وقوله تعالى «وأعد للكافرين عذابا أليما» عطف ما ذكر من المضمر لا على أخذنا كما قيل والتوجيه بأن بعثة الرسل واخذ الميثاق منهم لإثابة المؤمنين أو بأن المعنى ان الله تعالى اكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين تعسف ظاهر انه مفض إلى كون بيان اعداد العذاب الأليم للكافرين غير مقصود بالذات نعم يجوز عطفه على ما دل عليه قوله تعالى ليسأل الصادقين كأنه قيل فأثاب المؤمنين واعد للكافرين الآية «يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم» ان جعل النعمة مصدرا فالجار متعلق بها والا فهو متعلق بمحذوف هو حال منها أي كائنة عليكم «إذ جاءتكم جنود» ظرف لنفس النعمة أو لثبوتها لهم وقيل منصوب باذكروا على انه بدل اشتمال من نعمة الله والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير وكانوا زهاء اثنى عشر ألفا فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة سلمان الفارسي ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم وامر بالذراري والنساء فرفعوا في الآطام واشتد الخوف وظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق في المنافقين حتى قال معتب بن قشير كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر ان نذهب إلى الغائط ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم الا ان فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب قد ركبوا
(٩٢)