بأنه لو كان نبيا لما ابتلى بمثل ما ابتلى به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ امره إلى ان لم يبق منه إلا القلب واللسان ويروى انه عليه السلام قال في مناجاته إلهي قد علمت انه لم يخالف لساني قلبي ولم يتبع قلبي بصرى ولم يهبنى ما ملكت يميني ولم آكل إلا ومعي يتيم ولم أبت شبعان ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان فكشف الله تعالى عنه «نعم العبد» أي أيوب «إنه أواب» تعليل لمدحه أي رجاع إلى الله تعالى «واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب» عطف بيان لعبادنا وقرئ عبدنا إما على ان إبراهيم وحده لمزيد شرفه عطف بيان وقيل بدل وقيل نصب بإضمار أعنى والباقيان عطف على عبدنا وإما على أن عبدنا اسم جنس وضع موضع الجمع «أولي الأيدي والأبصار» أولى القوة في الطاعة والبصيرة في الدين أو أولى الاعمال الجليلة والعلوم الشريفة فعبر بالأيدي عن الاعمال لأن أكثرها تباشر بها وبالأبصار عن المعارف لأنها أقوى مباديها وفيه تعريض بالجهلة البطالين انهم كالزمنى والعماة وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع تمكنهم منهما وقرئ أولى الأيد بطرح الياء والاكتفاء بالكسر وقرئ أولى الأيادى على جمع الجمع «إنا أخلصناهم بخالصة» تعليل لما وصفوا به من شرف العبودية وعلو الرتبة في العلم والعمل أي جعلناهم خالصين لنا بخصلة خالصة عظيمة الشأن كما ينبئ عنه التنكير التفخيمى وقوله تعالى «ذكرى الدار» بيان للخالصة بعد إبهامها للتفخيم أي تذكر للدار الآخرة دائما فإن خلوصهم في الطاعة بسبب تذكرهم لها وذلك لأن مطمح انظارهم ومطرح أفكارهم في كل ما يأتون وما يذرون جوار الله عز وجل والفوز بلقائه ولا يتسنى ذلك إلا في الآخرة وقيل أخلصناهم بتوفيقهم لها واللطف بهم في اختيارها ويعضد الأول قراءة من قرأ بخالصتهم وإطلاق الدار للإشعار بأنها الدار في الحقيقة وإنما الدنيا معبر وقرئ بإضافة خالصة إلى ذكرى أي بما خلص من ذكرى الدار على معنى انهم لا يشوبون ذكراها بهم آخر أصلا أو تذكيرهم الآخرة وترغيبهم فيها وتزهيدهم في الدنيا كما هو شان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا ولسان الصدق الذي ليس لغيرهم «وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار» لمن المختارين من أمثالهم المصطفين عليهم في الخير والأخيار جمع خير كشر وأشرار وقيل جمع خير أو خير مخفف منه كأموات في جمع ميت وميت «واذكر إسماعيل» فصل ذكره عن ذكر أبيه وأخيه للإشعار بعراقته في الصبر الذي هو المقصود بالتذكير «واليسع» هو ابن خطوب بن العجوز استخلفه إلياس على بنى إسرائيل ثم استنبئ واللام فيه حرف تعريف دخل على يسع كما في قول من
(٢٣٠)