لأوصافه من التغير والاسوداد والمسنونية اكتفاء بما ذكر في مواقع أخر «فإذا سويته» أي صورته بالصورة الانسانية والخلقة البشرية أو سويت أجزاء بدنه بتعديل طائعه «ونفخت فيه من روحي» النفخ إجراء الريح إلى تجويف جسم صالح لامساكها والامتلاء بها وليس ثمة نفخ ولا منفوخ وانما هو تمثيل لإفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها أي فإذا كملت استعداده وأفضت عليه ما يحيا به من الروح التي هي من أمري «فقعوا له» امر من وقع وفيه دليل على ان المأمور به ليس مجرد الانحناء كما قيل أي أسقطوا له «ساجدين» تحية له وتكريما «فسجد الملائكة» أي فخلفه فسواه فنفخ فيه الروح فسجد له الملائكة «كلهم» بحيث لم يبق منهم أحد الا سجد «أجمعون» أي بطريق المعية بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد ولا اختصاص لإفادة هذا المعنى بالحالية بل يفيد التأكيد أيضا وقيل اكد بتأكيدين مبالغة في التعمم هذا واما ان سجودهم هذا هل ترتب على ما حكى من الامر التعليقي كما تقتضيه هذه الآية الكريمة والتي في سورة الحجر فإن ظاهرهما يستدعي ترتبه عليه من غير ان يتوسط بينهما شيء غير ما يفصح عنه الفاء الفصيحة من الخلق والتسوية ونفخ الروح أو على الامر التنجيزي كما يقتضيه ما في سورة البقرة وما في سورة الأعراف وما في سورة بني إسرائيل وما في سورة الكهف وما في سورة طه من الآيات الكريمة فقد مر تحقيقه بتوفيق الله عز وجل في سورة البقرة وسورة الأعراف «إلا إبليس» استثناء متصل لما انه كان جنيا مفردا مغمورا بألوف من الملائكة موصوفا بصفاتهم فغلبوا عليه ثم استثنى استثناء واحد منهم أو لان الملائكة جنسا يتوالدون وهو منهم أو منقطع وقوله تعالى «استكبر» على الأول استئناف مبين لكيفية ترك السجود المفهوم من الاستثناء فإن تركه يحتمل ان يكون للتأمل والتروي وبه يتحقق انه للآباء والاستكبار وعلى الثاني يجوز اتصاله بما قبله أي لكن إبليس استكبر «وكان من الكافرين» أي وصار منهم بمخالفته للامر واستكباره عن الطاعة أو كان منهم في علم الله تعالى عز وجل «قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي» أي خلقته بالذات من غير توسط أب وأم والتثنية لابراز كمال الاعتناء بخلقه عليه الصلاة والسلام المستدعي لإجلاله واعظامه قصدا إلى تأكيد الانكار وتشديد التوبيخ «أستكبرت» بهمزة الانكار وطرح همزة الوصل أي أتكبرت من غير استحقاق «أم كنت من العالين» المستحقين للتفوق وقيل استكبرت الآن أم لم تزل منذ كنت من المستكبرين وقرئ بحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة أم عليها
(٢٣٦)