أدركنا عليها آباءنا ويجوز أن يكون الجار والمجرور حالا من هذا أي ما سمعنا بهذا من أهل الكتاب ولا الكهان كائنا في الملة المترقبة ولقد كذبوا في ذلك أقبح كذب فإن حديث البعثة والتوحيد كان أشهر الأمور قبل الظهور «إن هذا» أي ما هذا «إلا اختلاق» أي كذب اختلقه «أأنزل عليه الذكر» أي القران «من بيننا» ونحن رؤسا الناس وأشرافهم كقولهم لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ومرداهم إنكار كونه ذكرا منزلا من عند الله عز وجل كقولهم لو كان خيرا ما سبقونا إليه وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على ان مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد وقصر النظر على الحطام الدنيوي «بل هم في شك من ذكري» أي من القرآن أو الوحي لميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن النظر في الأدلة المؤدية إلى العلم بحقيته وليس في عقيدتهم ما يبتون به فهم مذبذبون بين الأوهام ينسبونه تارة إلى السحر وأخرى إلى الاختلاق «بل لما يذوقوا عذاب» أي بل لم يذوقوا بعد عذابي فإذا ذاقوه تبين لهم حقيقة الحال وفي لما دلالة على أن ذوقهم على شرف الوقوع والمعنى انهم لا يصدقون به حتى يمسهم العذاب وقيل لم يذوقوا عذابي الموعود في القرآن ولذلك شكوا فيه «أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب» بل أعندهم خزائن رحمته تعالى يتصرفون فيها حسبما يشاءون حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتحكموا فيها بمقتضى آرائهم فيتخيروا للنبوة بعض صناديدهم والمعنى ان النبوة عطية من الله عز وجل يتفضل بها على من يشاء من عباده المصطفين لا مانع له فإنه العزيز أي الغالب الذي لا يغالب الوهاب الذي له ان يهب كل ما يشاء لكل من يشاء وفي إضافة اسم الرب المنبئ عن التربية والتبليغ إلى الكمال إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه واللطف به ما لا يخفى وقوله تعالى «أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما» ترشيح لما سبق أي بل ألهم ملك هذه العوالم العلوية والسفلية حتى يتكلموا في الأمور الربانية ويتحكموا في التدابير الإلهية التي يستأثر بها رب العزة والكبرياء وقوله تعالى «فليرتقوا في الأسباب» جواب شرط محذوف أي إن كان لهم ما ذكر من الملك فليصعدوا في المعارج والمناهج التي يتوصل بها إلى العرش حتى يستووا عليه ويدبروا أمر العالم وينزلوا الوحي إلى من يختارون ويستصوبون وفيه من التهكم بهم ما لا غاية وراءه والسبب في الأصل هو الوصلة وقيل المراد بالأسباب السماوات لأنها أسباب الحوادث السفلية وقيل أبوابها «جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب» أي هم جند ما من الكفار المتحزبين عل الرسل مهزوم مكسور عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث بما يهذون وما مزيده للتقليل والتحقير
(٢١٦)