الفعل بل قد يفيد استمرار انتفائه بحسب المقام كما مر في قوله تعالى ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير «فاستبقوا الصراط» أي فأرادوا أن يستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه على أن انتصابه بنزع الجار أو هو بتضمين الاستباق معنى الابتدار أو بالظرفية «فأنى يبصرون» الطريق وجهة السلوك «ولو نشاء لمسخناهم» بتغيير صورهم وإبطال قواهم «على مكانتهم» أي مكانهم إلا أن المكانة أخص كالمقامة والمقام وقرئ على مكاناتهم أي لمسخناهم مسخا يجمدهم مكانهم لا يقدرون ان يبرحوه بإقبال ولا ادبار ولا رجوع وذلك قوله تعالى «فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون» أي ولا رجوعا فوضع موضعه الفعل لمراعاة الفاصلة عن ابن عباس رضي الله عنهما قردة وخنازير وقيل حجارة وعن قتادة لأقعدناهم على أرجلهم وأزمناهم وقرئ مضيا بكسر الميم وفتحها وليس مساق الشرطيتين لمجرد بيان قدرته تعالى على ما ذكر من عقوبة الطمس والمسخ بل لبيان انهم بما هم عليه من الكفر ونقض العهد وعدم الاتعاظ بما شاهدوا من آثار دمار أمثالهم احفاء بأن يفعل بهم في الدنيا تلك العقوبة كما فعل بهم في الآخرة عقوبة الختم وان المانع من ذلك ليس الا عدم تعلق المشيئة الإلهية به كأنه قيل لو نشاء عقوبتهم بما ذكر من الطمس والمسخ جريا على موجب جناياتهم المستدعية لها لفعلناها ولكنا لم نشاها جريا على سنن الرحمة والحكمة الداعيتين إلى امهالهم «ومن نعمره» أي نطل عمره «ننكسه في الخلق» أي نقلبه فيه ونخلقه على عكس ما خلقناه أولا فلا يزال يتزايد ضعفه وتتناقص قوته وتنتقص بنيته ويتغير شكله وصورته حتى يعود إلى حالة شبيهة بحال الصبي في ضعف الجسد وقلة العقل والخلو عن الفهم والادراك وقرئ ننكسه من الثلاثي المجرد وننكسه من الإنكاس «أفلا يعقلون» أي أيرون ذلك فلا يعقلون اما من قدر على ذلك يقدر على ما ذكر من الطمس والمسخ وان عدم ايقاعهما لعدم تعلق مستئنه تعالى بهما تعقلون بالتاء لجري الخطاب قبله «وما علمناه الشعر» رد وابطال لما كانوا يقولونه في حقه صلى الله عليه وسلم من انه شاعر وما يقوله شعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن على معنى ان القرآن ليس بشعر فإن الشعر كلام متكلف موضوع ومقال مزخرف مصنوع منسوج على منوال الوزن والقافية مبنى على خيالات وأوهام واهية فأين ذلك من التنزيل الجليل الخطر المنزه عن مماثلة كلام البشر المشحون بفنون الحكم والاحكام الباهرة الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة ومن اين اشتبه عليهم الشؤون واختلط بهم الظنون قاتلهم الله أنى يؤفكون «وما ينبغي له» وما يصح له الشعر ولا يتأتى له لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له كما جعلناه أميا لا يهتدي للخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض واما قوله صلى الله عليه وسلم انا النبي لا كذب أنا ابن عبد
(١٧٧)