هب بنا فحذف الجار وأوصل الفعل إلى الضمير قيل فيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون انهم كانوا نياما وعن مجاهد أن للكفار هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور يقولون ذلك وعن ابن عباس وأبي بن كعب وقتادة رحمهم الله تعالى ان الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بالنفخة الثانية وشاهدوا من أهوال يوم القيامة ما شاهدوا دعوا بالويل وقالوا ذلك وقيل إذا عاينوا جهنم وما فيها من أنواع العذاب يصير عذاب القبر في جنبها مثل النوم فيقولون ذلك وقرئ من بعثنا ومن هبنا بمن الجارة والمصدر والمرقد اما مصدر أي من رقادنا أو اسم مكان أريد به الجنس فينتظم مراقد الكل «هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون» جملة من مبتدأ وخبر وما موصولة محذوفة العائد أو مصدرية وهو جواب من قبل الملائكة أو المؤمنين عدل به عن سنن سؤالهم تذكيرا لكفرهم وتقريعا لهم عليه وتنبيها على ان الذي يهمهم هو السؤال عن نفس البعث ماذا هو دون الباعث كأنهم قالوا بعثكم الرحمن الذي وعدكم ذلك في كتبه وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم فيه وليس الامر كما تتوهمونه حتى تسألوا عن الباعث وقيل هو من كلام الكافرين حيث يتذكرون ما سمعوه من الرسل عليهم الصلاة والسلام فيجيبون به أنفسهم أو بعضهم بعضا وقيل هذا صفة لمرقدنا وما وعد الخ خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف أي ما وعد الرحمن وصدق المرسلون حق «إن كانت» أي ما كانت النفخة التي حكيت آنفا «إلا صيحة واحدة» حصلت من نفخ إسرافيل عليه السلام في الصور «فإذا هم جميع» أي مجموع «لدينا محضرون» من غير لبث ما طرفة عين وفيه من تهوين امر البعث والحشر والايذان باستغائهما عن الأسباب ما لا يخفي «فاليوم لا تظلم نفس» من النفوس برة كانت أو فاجرة «شيئا» من الظلم «ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون» أي الا جزاء ما كنتم تعملونه في الدنيا على الاستمرار من الكفر والمعاصي على حذف المضاف وإقامة المضاف اليه مقامه للتنبيه على قوة التلازم والارتباط بينهما كأنهما شيء واحد أو الا بما كنتم تعملونه أي بمقابلته أو بسببه وتعميم الخطاب للمؤمنين يرده انه تعالى يوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله اضعافا مضاعفة وهذه حكاية لما سيقال لهم حين يرون العذاب المعد لهم تحقيقا للحق وتقريعا لهم وقوله تعالى «إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون» من جملة ما سيقال لهم يومئذ زيادة لحسرتهم وندامتهم فإن الاخبار بحسن حال أعدائهم اثر بيان سوء حالهم مما يزيدهم مساءة على مساءة وفي هذه الحكاية مزجرة لهؤلاء الكفرة عما هم عليه ومدعاة إلى الاقتداء بسيرة المؤمنين والشغل هو الشأن الذي يصد المرء ويشغله عما سواه من شؤونه لكونه أهم عنده من الكل اما لإيجابه كمال المسرة
(١٧٢)