كثيرا عن ذلك الصراط المستقيم الذي أمرتكم بالثبات عليه فأصابهم لأجل ذلك ما أصابهم من العقوبات الهائلة التي ملأ الآفاق أخبارها وبقى مدى الدهر آثارها والفاء في قوله تعالى «أفلم تكونوا تعقلون» للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أكنتم تشاهدون آثار عقوباتهم فلم تكونوا تعقلون أنها لضلالهم أو فلم تكونوا تعقلون شيئا أصلا حتى ترتدعوا عما كانوا عليه كيلا يحيق بكم العقاب وقوله تعالى «هذه جهنم التي كنتم توعدون» استئناف يخاطبون به بعد تمام التوبيخ والتقريع والإلزام والتبكيت عن إشرافهم على شفير جهنم أي كنتم توعدونها على ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام بمقابلة عبادة الشيطان مثل قوله تعالى لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وقوله تعالى «قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا» وقوله تعالى «قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين» وغير ذلك مما لا يحصى وقوله تعالى «اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون» امر تنكيل وإهانة كقوله تعالى «ذق إنك أنت العزيز» الخ أي ادخلوها من فوق وقاسوا فنون عذابها اليوم بكفركم المستمر في الدنيا وقوله تعالى «اليوم نختم على أفواههم» أي ختما يمنعها عن الكلام التفات إلى الغيبة للإيذان بأن ذكر أحوالهم القبيحة استدعى ان يعرض عنهم ويحكى أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الايماء إلى أن ذلك من مقتضيات الختم لان الخطاب لتلقى الجواب وقد انقطع بالكلية وقرئ تختم «وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون» يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فيشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين فحينئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم وفي الحديث يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز على شاهدا إلا من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقى فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل وقيل تكليم الأركان وشهادتها دلالتها على أفعالها وظهور آثار المعاصي عليها وقرئ وتتكلم أيديهم وقرئ ولتكلمنا أيديهم وتشهد بلام كي والنصب على معنى ولذلك نختم على أفواههم وقرئ ولتكلمنا أيديهم ولتشهد بلام الامر والجزم «ولو نشاء لطمسنا على أعينهم» الطمس تعفية شق العين حتى تعود ممسوحة ومفعول المشيئة محذوف على القاعدة المستمرة التي هي وقوعها شرطا وكون مفعولها مضمون الجزاء أي لو نشاء أن نطمس على أعينهم لفعلناه وإيثار صيغة الاستقبال وإن كان المعنى على المضي لإفادة أن عدم الطمس على أعينهم لاستمرار عدم المشيئة فإن المضارع المنفى الواقع موقع الماضي ليس بنص في إفادة انتفاء استمرار
(١٧٦)