قضاء الأمر والنواء في أهل مدين والنداء للتنبيه على أن كلا من ذلك برهان مستقل على أن حكايته صلى الله عليه وسلم للقصة بطريق الوحي الإلهي ولو ذكر أولا نفى ثوائه صلى الله عليه وسلم من أهل مدين ثم نفى حضوره صلى الله عليه وسلم عند النداء ثم نفى حضوره عند قضاء الامر كما هو الموافق للترتيب الوقوعي لربما توهم أن الكل دليل واحد على ما ذكر كما مر في سورة البقرة «ولولا أن تصيبهم مصيبة» أي عقوبة «بما قدمت أيديهم» أي ما اقترفوا من الكفر والمعاصي «فيقولوا» عطف على تصيبهم داخل في حيز لولا الامتناعية على ان مدار انتفاء ما يجاب به هو امتناعه لا امتناع المعطوف عليه وإنما ذكره في حيزها للإبذان بأنه السبب الملجئ لهم إلى قولهم «ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا» أي هلا أرسلت إلينا رسولا مؤيدا من عندك بالآيات «فنتبع آياتك» الظاهرة على يده وهو جواب لولا الثانية «ونكون من المؤمنين» بها وجواب لولا الأولى محذوف ثقة بدلالة الحال عليه والمعنى لولا قولهم هذا عند إصابة عقوبة جناياتهم التي قدموها ما أرسلناك لكن لما كان قولهم ذلك محققا لا محيد عنه أرسلناك قطعا لماذيرهم بالكلية «فلما جاءهم» أي أهل مكة «الحق من عندنا» وهو القرآن المنزل عليه صلى الله عليه وسلم «قالوا» تعنتا واقتراحا «لولا أوتي» يعنونه صلى الله عليه وسلم «مثل ما أوتي موسى» من الكتاب المنزل جملة وأما اليد والعصا فلا تعلق لهما بالمقام كسائر معجزاته عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى «أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل» رد عليهم وإظهار لكون ما قالوه تعنتا محضا لا طلبا لما يرشدهم إلى الحق أي ألم يكفروا من قبل هذا القول بما أوتى موسى من الكتاب كما كفروا بهذا الحق وقوله تعالى «قالوا» استئناف مسوق لتقرير كفرهم المستفاد من الإنكار السابق وبيان كيفيته وقوله تعالى «سحران» خبر لمبتدأ محذوف أي هما يعنون ما اوتى محمد وما أوتى موسى عليهما السلام سحران «تظاهرا» أي تعاونا بتصديق كل واحد منهما الاخر وذلك أنهم بعثوا رهطا منهم إلى رؤساء اليهود في عيد لهم فسألوهم عن شأنه صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا نجده في التوراة بنعته وصفته فلما رجع الرهط وأخبروهم بما قالت اليهود قالوا ذلك وقوله تعالى «وقالوا إنا بكل» أي بكل واحد من الكتابين «كافرون» تصريح بكفرهم بهما وتأكيد لكفرهم المفهوم من تسميتهما سحرا وذلك لغاية عتوهم وتماديهم في الكفر والطغيان وقرئ ساحران تظاهران يعنون موسى ومحمدا صلى الله عليه وسلم هذا هو الذي تستدعيه جزالة النظم الجليل فتأمل ودع عنك ما قيل وقيل ألا ترى إلى قوله تعالى «قل فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما» مما أوتياه
(١٧)