إلا بالمشاهدة أو التعلم ممن شاهدها وحيث انتفى كلاهما تبين انه بوحي من علام الغيوب لا محالة على طريقة قوله تعالى «وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم» الآية أي وما كنت بجانب الجبل الغربي أو المكان الغربي الذي وقع فيه الميقات على حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أو الجانب الغربي على إضافة الموصوف إلى الصفة كمسجد الجامع «إذ قضينا إلى موسى الأمر» أي عهدنا إليه وأحكمنا امر نبوته بالوحي وإيتاء التوراة «وما كنت من الشاهدين» أي من جملة الشاهدين للوحي وهم السبعون المختارون للميقات حتى تشاهد ما جرى من امر موسى في ميقانه وكتبة التوراة له في الألواح فتخبره للناس «ولكنا أنشأنا قرونا» أي ولكنا خلقنا بين زمانك وزمان موسى قرونا كثيرة «فتطاول عليهم العمر» وتمادى الأمد فتغيرت الشرائع والاحكام وعميت عليهم الأنباء لا سيما على آخرهم فافتضى الحال التشريع الجديد فأوحينا إليك فحذف المستدرك اكتفاء بذكر ما يوجبه ويدل عليه وقوله تعالى «وما كنت ثاويا في أهل مدين» نفى لاحتمال كون معرفته عليه الصلاة والسلام للقصة بالسماع ممن شاهدها أي وما كنت مقيما في أهل مدين من شعيب والمؤمنين به وقوله تعالى «تتلو عليهم» أي تقرأ على أهل مدين بطريق التعلم منهم «آياتنا» الناطقة بالقصة إما حال من المستكن في ثاويا أو خبر ثان لكنت «ولكنا كنا مرسلين» إياك وموحين إليك تلك الآيات ونظائرها «وما كنت بجانب الطور إذ نادينا» أي وقت ندائنا موسى إني انا الله رب العالمين واستنبائنا إياه وإرسالنا له إلى فرعون «ولكن رحمة من ربك» أي ولكن أرسلناك بالقرآن الناطق بما ذكر وبغيره لرحمة عظيمة كائنة منا لك وللناس وقيل علمناك وقيل عرفناك ذلك وليس بذاك كما ستعرفه والالتفات إلى اسم الرب للإشعار بعلة الرحمة وتشريفه صلى الله عليه وسلم بالإضافة وقد اكتفى عن ذكر المستدرك ههنا بذكر ما يوجبه من جهته تعالى كما اكتفى عنه في الأول بذكر ما يوجبه من جهة الناس وصرح به فيما بينهما تنصيصا على ما هو المقصود وإشعارا بأنه المراد فيهما أيضا ولله در شأن التنزيل وقوله تعالى «لتنذر قوما» متعلق بالفعل المعلل بالرحمة فهو ما ذكرنا من إرساله صلى الله عليه وسلم بالقرآن حتما لما أنه المعلل بالإنذار لا تعليم ما ذكر وقرئ رحمة بالرفع على انه خبر مبتدأ محذوف وقوله تعالى «ما أتاهم من نذير من قبلك» صفة لقوما أي لم يأتهم نذير لوقوعهم في فترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة أو بينك وبين إسماعيل بناء على أن دعوة موسى عيسى عليهما السلام كانت مختصة ببني إسرائيل «لعلهم يتذكرون» أي يتعظون بإنذارك وتغيير الترتيب الوقوعي بين
(١٦)