ذلك فأذن له فخرج بأهله «آنس من جانب الطور» أي أبصر من الجهة التي تلي الطور «نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر» أي بخبر الطريق وقد كانوا ضلوه «أو جذوة» أي عود غليظ سواء كانت في رأسه نارا ولا قال قائلهم [باتت حواطب ليلى يلتمسن لها * جزل الجذى غير حوار ولا دعر] وقال [وألقى على قبس من النار جذوة * شديدا عليها حرها وإلتهابها] ولذلك بين بقوله تعالى «من النار» وقرئ بكسر الجيم وبضمها وكلها لغات «لعلكم تصطلون» أي تستدفئون «فلما أتاها» أي النار التي آنسها «نودي من شاطئ الوادي الأيمن» أي أتاه النداء من الشاطئ الأيمن بالنسبة إلى موسى عليه السلام «في البقعة المباركة» متصل بالشاطئ أو صلة لنودى «من الشجرة» بدل اشتمال من شاطئ لأنها كانت نابتة على الشاطئ «أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين» وهذا وإن خالف لفظا لما في طه والنمل لكنه موافق له في المعنى المراد «وأن ألق عصاك» عطف على أن يا موسى وكلاهما مفسر لنودي والفاء في قوله تعالى «فلما رآها تهتز» فصيحة مفصحة عن جمل قد حذفت تعويلا على دلالة الحال عليها وإشعارا بغاية سرعة تحقق مدلولاتها أي فألقاها فصارت ثعبانا فاهتزت فلما رآها تهتز «كأنها جان» أي في سرعة الحركة مع غاية عظم جئتها «ولى مدبرا» أي منهزما من الخوف «ولم يعقب» أي لم يرجع «يا موسى» أي قيل يا موسى «أقبل ولا تخف إنك من الآمنين» من المخاوف فإنه لا يخاف لدي المرسلون «اسلك يدك في جيبك» أي أدخلها فيه «تخرج بيضاء من غير سوء» أي عيب «واضمم إليك جناحك» أي يديك المبسوطتين لتتقي بهما الحية كالخائف الفزع بإدخال اليمنى تحت العضد الأيسر واليسرى تحت الأيمن أو بإدخالهما في الجيب فيكون تكريرا لغرض آخر هو أن يكون ذلك في وجه العدو إظهار جراءة ومبدأ لظهور معجزة ويجوز ان يراد بالضم التجلد والثبات عند انقلاب العصا ثعبانا استعارة من حال الطائر فإنه إذا خاف نشر جناحيه وإذا أمن واطمأن ضمهما اليه «من الرهب» أي من أجل الرهب أي إذا عراك الخوف فافعل ذلك تجلدا وضبطا لنفسك وقريء بضم الراء وسكون الهاء وبضمهما والكل لغات «فذانك» إشارة إلى العصا واليد وقريء بتشديد النون فالمخفف مثنى ذاك والمشد مثنى ذلك «برهانان» حجتان نيرتان وبرهان فعلان لقولهم أبره الرجل إذا جاء بالبرهان من قولهم بره الرجل إذا ابيض ويقال
(١٢)