سميناهم أئمة دعاة إلى النار كما في قوله تعالى وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا فالأنسب حينئذ أن يكون الجعل بعدهم فيما بين الأمم وتكون الدعوة إلى نفس البار وقيل معنى الجعل منع الالطاف الصارفة عن ذلك «ويوم القيامة لا ينصرون» بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه «وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة» طردا وإبعادا من الرحمة ولعنا من اللاعنين حيث لا يزال يلعنهم الملائكة عليهم الصلاة والسلام والمؤمنون خلفا عن سلف «ويوم القيامة هم من المقبوحين» من المطرودين المبعدين وقيل من الموسومين بعلامة منكرة كزرقة العيون وسواد الوجه قاله ابن عباس رضى الله عنهما يقال قبحه الله وقبحه إذا جعله قبيحا وقال أبو عبيدة من المقبوحين من المهلكين ويوم القيامة إما متعلق بالمقبوحين على أن اللام للتعريف لا بمعنى الذي أو بمحذوف يفسره ذلك كأنه قيل وقبحوا يوم القيامة نجو لعملكم من القالين «ولقد آتينا موسى الكتاب» أي التوراة «من بعد ما أهلكنا القرون الأولى» هم أقوام نوح وهود وصالح ولوط عليهم السلام والتعرض لبيان كون إيتائها بعد إهلاكهم للإشعار بمساس الحاجة الداعية إليه تمهيدا لما يعقبه من بيان الحاجة الداعية إلى إنزال القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن إهلاك القرون الأولى من مواجبات اندراس معالم الشرائع وانطماس آثارها وأحكامها المؤديين إلى اختلال نظام العالم وفساد أحوال الأمم المستدعيين للتشريع الجديد بتقرير الأصول الباقية على مر الدهور وترتيب الفروع المتبدلة بتبدل العصور وتذكير أحوال الأمم الخالية الموجبة للاعتبار كأنه قيل ولقد آتينا موسى التوراة على حين حاجة إلى إيتائها «بصائر للناس» أي أنوارا لقلوبهم تبصر بها الحقائق وتميز بين الحق والباطل حيث كانت عميا عن الفهم والادراك بالكلية فإن البصيرة نور القلب الذي به يستبصر كما أن البصر نور العين الذي به تبصر «وهدى» أي هداية إلى الشرائع والاحكام التي هي سبل الله تعالى «ورحمة» حيث ينال من عمل به رحمة الله تعالى وانتصاب الكل على الحالية من الكتاب على انه نفس البصائر والهدى والرحمة أو على حذف المضاف أي ذا بصائر الخ وقيل على العلة أي آتيناه الكتاب للبصائر والهدى والرحمة «لعلهم يتذكرون» ليكونوا على حال يرجى منه التذكر وقد مر تحقيق القول في ذلك عند قوله تعالى «لعلكم تتقون» من سورة البقرة وقوله تعالى «وما كنت بجانب الغربي» شروع في بيان أن إنزال القرآن الكريم أيضا واقع في زمان شدة مساس الحاجة اليه واقتضاء الحكمة له البتة وقد صدر بتحقيق كونه وحيا صادقا من عند الله عز وجل ببيان ان الوقوف على ما فصل من الأحوال لا يتسنى
(١٥)