يقتضيه المقام والفاء في قوله تعالى «فذوقوا» لترتيب الامر بالذوق على ما قبلها من التعمير ومجئ النذير وفي قوله تعالى «فما للظالمين من نصير» للتعليل «إن الله عالم غيب السماوات والأرض» بالإضافة وقرئ بالتنوين ونصب غيب على المفعولية أي لا يخفي عليه خافية فيهما فلا تخفي عليه أحوالهم «إنه عليم بذات الصدور» قيل انه تعليل لما قبله لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهي اخفى ما يكون كان اعلم بغيرها «هو الذي جعلكم خلائف في الأرض» يقال للمستخلف خليفة والأول يجمع خلائف والثاني خلفاء والمعنى انه تعالى جعلكم خلفاءه في ارضه والقي إليكم مقاليد التصرف فيها وسلطكم على ما فيها وأباح لكم منافعها أو جعلكم خلفاء ممن قبلكم من الأمم وأورثكم ما بأيديهم من متاع الدنيا لتشكروه بالتوحيد والطاعة «فمن كفر» منكم مثل هذه النعمة السنية وغمطها «فعليه كفره» أي وبال كفره لا يتعداه إلى غيره وقوله تعالى «ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا» بيان لوبال الكفر وغائلته وهو مقت الله تعالى إياهم أي بغضه الشديد الذي ليس وراءه خزي وصغار وخسار الآخرة الذي ما بعده شر وخسار والتكرير لزيادة التقرير والتنبيه على ان اقتضاء الكفر لكل واحد من الامرين الهائلين القبيحين بطريق الاستقلال والأصالة «قل» تبكيتا لهم «أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله» أي آلهتكم والإضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء لله تعالى من غير ان يكون له أصل ما أصلا وقيل جعلوهم شركاء لأنفسهم فيما يملكونه ويأباه سباق النظم الكريم وسياقه «أروني ماذا خلقوا من الأرض» بدل اشتمال من أرأيتم كأنه قيل أخبروني عن شركائكم أروني أي جزء خلقوا من الأرض «أم لهم شرك في السماوات» أي أم لهم شركة مع الله سبحانه في خلق السماوات ليستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية «أم آتيناهم كتابا» ينطق بأنا اتخذناهم شركاء «فهم على بينة منه» أي حجة ظاهرة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية ويجوز ان يكون ضمير آتيناهم للمشركين كما في قوله تعالى أم أنزلنا عليهم سلطانا الخ وقرئ على بينات وفيه ايماء إلى ان الشرك امر خطير لا بد في اثباته من تعاضد الدلائل «بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا» لما نفي أنواع الحجج في ذلك اضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الاسلاف للأخلاف واضلال الرؤساء للاتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقريب اليه
(١٥٥)