أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل وأوثر صيغة الجمع في الطرفين تحقيقا للتباين بين افراد الفريقين وقيل تمثيل للعلماء والجهلة «إن الله يسمع من يشاء» أن يسمعه ويوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته «وما أنت بمسمع من في القبور» ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات وإشباع في إقناطه صلى الله عليه وسلم من إيمانهم «إن أنت إلا نذير» ما عليك إلا الإنذار وأما الإسماع البتة فليس من وظائفك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم «إنا أرسلناك بالحق» أي محقين أو محقا أنت أو إرسالا مصحوبا بالحق ويجوز أن يتعلق بقوله «بشيرا ونذيرا» أي بشيرا بالوعد الحق ونذيرا بالوعيد الحق «وإن من أمة» أي ما من أمة من الأمم الدارجة في الأزمنة الماضية «إلا خلا» أي مضى «فيها نذير» من نبي أو عالم ينذرهم والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قرينة البشارة لا سيما وقد اقترنا آنفا ولأن الإنذار هو الأنسب بالمقام «وإن يكذبوك» أي تموا على تكذيبك فلا تبال بهم وبتكذيبهم «فقد كذب الذين من قبلهم» من الأمم العاتية «جاءتهم رسلهم بالبينات» أي المعجزات الظاهرة الدالة على نبوتهم «وبالزبر» كصحف إبراهيم «وبالكتاب المنير» كالتوراة والإنجيل والزبور على إرادة التفصيل دون الجمع ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير العنوانين «ثم أخذت الذين كفروا» وضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإشعار بعلة الأخذ «فكيف كان نكير» أي إنكاري بالعقوبة وفيه مزيد تشديد وتهويل لها «ألم تر» استئناف مسوق لتقرير ما قبله من اختلاف أحوال الناس ببيان أن الاختلاف والتفاوت امر مطرد في جميع المخلوقات من النبات والجماد والحيوان والرؤية قلبية أي ألم تعلم «أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به» بذلك الماء والالتفات لإظهار كمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة «ثمرات مختلفا ألوانها» أي أجناسها أو أصنافها على ان كلا منها ذو أصناف مختلفة أو هيآتها وأشكالها أو ألوانها من الصفرة والخضرة والحمرة وغيرها وهو الأوفق لما في قوله تعالى «ومن الجبال جدد» أي ذو جدد أي خطط وطرائق ويقال جدة الحمار للخطة السوداء
(١٥٠)