تعالى لإبليس عند قوله لأغوينهم أجمعين لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين وهو المعنى بقوله تعالى لأملأن جهنم من الجنة والنار والناس أجمعين كما يلوح به تقديم الجنة على الناس فإنه كما ترى قد أوقع فيه الحكم بإدخال جهنم على من تبع إبليس وذلك تعليل له بتبعيته قطعا وثبوت القول على هؤلاء الذين عبر عنهم بأكثرهم انما هو لكونهم من جملة أولئك المصرين على تبعية إبليس ابدا وإذ قد تبين ان مناط ثبوت القول وتحققه عليهم اصرارهم على الكفر إلى الموت ظهر ان قوله تعالى «فهم لا يؤمنون» متفرع في الحقيقة على ذلك لا على ثبوت القول وقوله تعالى «إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا» تقرير لتصميمهم على الكفر وعدم ارعوائهم عنه بتمثيل حالهم بحال الذين غلت أعناقهم «فهي إلى الأذقان» أي فالأغلال منتهية إلى أذقانهم فلا تدعهم يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رؤوسهم له «فهم مقمحون» رافعون رؤوسهم غاضون ابصارهم بحيث لا يكادون يرون الحق أو ينظرون إلى جهته «وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون» اما تتمة للتمثيل وتكميل له أي تكميل أي وجعلنا مع ما ذكر من امامهم سدا عظيما ومن ورائهم سدا كذلك فغطينا بها ابصارهم فهم بسبب ذلك لا يقدرون على ابصار شيء ما أصلا واما تمثيل مستقل فإن ما ذكر من جعلهم محصورين بين سدين هائلين قد غطيا ابصارهم بحيث لا يبصرون شيئا قطعا كاف في الكشف عن كمال فظاعة حالهم وكونهم محبوسين في مطمورة الغي والجهالات محرومين عن النظر في الأدلة والآيات وقرئ سدا بالضم وهي لغة فيه وقيل ما كان من عمل الناس فهو بالفتح وما كان من خلق الله فبالضم وقرئ فأعشيناهم من العشا وقيل الآيتان في بني مخزوم وذلك ان ابا جهل حلف لئن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه فأتاه وهو يصلي صلى الله عليه وسلم ومعه حجر ليدمغه فلما رفع يده انثنت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم بذلك فقال مخزومي آخر انا اقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله تعالى بصره «وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم» بيان لشأنهم بطريق التصريح اثر بيانه بطريق التمثيل أي مستو عندهم انذارك إياهم وعدمه حسبما مر تحقيقه في سورة البقرة وقوله تعالى «لا يؤمنون» استئناف مؤكد لما قبله مبين لما فيه من اجمال ما فيه الاستواء أو حال مؤكدة له أو بدل منه ولما بين كون الانذار عندهم كعدمه عقب ببيان من يتأثر منه فقيل «إنما تنذر» أي انذارا مستتبعا للأثر «من اتبع الذكر» أي القرآن بالتأمل فيه أو الوعظ ولم يصر على اتباع خطوات الشيطان «وخشي الرحمن بالغيب» أي
(١٦٠)