إلى بعض على مقدار معين يليق بحال أبناء السبيل قيل كان الغادي من قرية يقيل في أخرى والرائح منها يبيت في أخرى إلى ان يبلغ الشام كل ذلك كان تكميلا لما أوتوا من أنواع النعماء وتوفيرا لها في الحضر والسفر «سيروا فيها» على إرادة القول أي وقلنا لهم سيروا في تلك القرى «ليالي وأياما» أي متى شئتم من الليالي والأيام «آمنين» من كل ما تكرهونه لا يختلف الأمن فيها باختلاف الأوقات أو سيروا فيها آمنين وإن تطاولت مدة سفركم وامتدت ليالي وأياما كثيرة أو سيروا فيها ليالي أعماركم وأيامها لا تلقون فيها إلا الأمن لكن لا على الحقيقة بل على تنزيل تمكينهم من السير المذكور وتسوية مباديه وأسبابه على الوجه المذكور منزلة أمرهم بذلك «فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا» وقرئ يا ربنا بطروا النعمة وسئموا أطيب العيش وملوا العافية فطلبوا الكد والتعب كما طلب بنو إسرائيل الثوم والبصل مكان المن والسلوى وقالوا لو كان جنى جناننا أبعد لكان أجدر أن نشتهيه وسألوا ان يجعل الله تعالى بينهم وبين الشام مفاوز وقفارا ليركبوا فيها الرواحل ويتزودوا الأزواد ويتطاولوا فيها على الفقراء فعجل الله تعالى لهم الإجابة بتخريب تلك القرى المتوسطة وجعلها بلقعا لا يسمع فيها داع ولا مجيب وقرئ بعد وربنا بعد بين أسفارنا وبعد بين أسفارنا على النداء وإسناد الفعل إلى بين ورفعه به كما يقال سير فرسخان وبوعد بين أسفارنا وقرئ ربنا باعد بين أسفارنا وبين سفرنا وبعد برفع ربنا على الابتداء والمعنى على خلاف الأول وهو استبعاد مسايرهم مع قصرها أو دنوها وسهولة سلوكها لفرط تنعمهم وغاية ترفههم وعدم اعتدادهم بنعم الله تعالى كأنهم يتشاجون على الله تعالى ويتحازنون عليه «وظلموا أنفسهم» حيث عرضوها للسخط والعذاب حين بطروا النعمة أو غمطوها «فجعلناهم أحاديث» أي جعلناهم بحيث يتحدث الناس بهم متعجبين من أحوالهم ومعتبرين بعاقبتهم ومآلهم «ومزقناهم كل ممزق» أي فرقناهم كل تفريق على أن الممزق مصدر أو كل مطرح ومكان تفريق على أنه اسم مكان وفي عبارة التمزيق الخاص بتفريق المتصل وخرفه من تهويل الأمر والدلالة على شدة التأثير والإيلام ما لا يخفى أي مزقناهم تمزيقا لا غاية وراءه بحيث يضرب به الأمثال في كل فرقة ليس بعدها وصال حتى لحق غسان بالشام وأنمار بيثرب وجذام بتهامة والأزد بعمان وأصل قصتهم على ما رواه الكلبي عن أبي صالح ان عمرو بن عامر من أولاد سبأ وبينهما اثنى عشر أبا وهو الذي يقال له مزيقيا بن ماء السماء أخبرته طريفة الكاهنة بخراب سد مأرب وتفريق سيل العرم الجنتين وعن أبي زيد الأنصاري أن عمرا رأى جرزا يفر السد فعلم أنه لا بقاء له بعد وقيل إنه كان كاهنا وقد علمه بكهانته فباع املاكه وسار بقومه وهم ألوف من بلد إلى بلد حتى انتهى إلى مكة المعظمة وأهلها جرهم وكانوا قهروا الناس وحازوا ولاية البيت على بني إسماعيل عليه السلام وغيرهم فأرسل إليهم ثعلبة بن عمرو ابن عامر يسألهم المقام معهم إلى ان يرجع إليه رواده الذين أرسلهم إلى أصقاع البلاد يطلبون له موضعا
(١٢٩)