وجعلكم ملوكا فإن الجعلين المذكورين نعمة من الله تعالى واي نعمة واما أمور اخر مقارنة لامرهم داعية إلى الامتثال به من الترغيب والترهيب وغير ذلك وأسروا الندامة لما رأوا العذاب أي اضمر الفريقان الندامة على ما فعلا من الضلال والاضلال وأخفاها كل منهما عن الآخر مخافة التعيير أو أظهروها فإنه من الأضداد وهو المناسب لحالهم «وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا» أي في أعناقهم والاظهار في موضع الاضمار للتنويه بذمهم والتنبيه على موجب أغلالهم «هل يجزون إلا ما كانوا يعملون» أي لا يجزون الا جزاء ما كانوا يعملون أو الا بما كانوا يعملونه على نزع الجار «وما أرسلنا في قرية» من القرى «من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون» تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما منى به من قومه من التكذيب والكفر بما جاء به والمنافسة بكثرة الأموال والأولاد والمفاخرة بحظوظ الدنيا وزخارفها والتكبر بذلك على المؤمنين والاستهانة بهم من اجله وقولهم أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا بأنه لم يرسل قط أهل قرية من نذير الا قال مترفوهم مثل ما قال مترفو أهل مكة في حقه صلى الله عليه وسلم وكادوا به نحو ما كادوا به صلى الله عليه وسلم وقاسوا أمور الآخرة الموهومة والمفروضة عندهم على أمور الدنيا وزعموا انهم لو لم يكرموا على الله تعالى لما رزقهم طيبات الدنيا ولولا ان المؤمنين هانوا عليه تعالى لما حرمهموها وعلى ذلك الرأي الركيك بنوا احكامهم «وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين» اما بناء على انتفاء العذاب الأخروي رأسا أو على اعتقاد انه تعالى أكرمهم في الدنيا فلا يهينهم في الآخرة على تقدير وقوعها قل ردا عليهم وحسما لمادة طمعهم الفارغ وتحقيقا للحق الذي عليه يدور امر التكوين «إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء» ان يبسط له «ويقدر» على من يشاء ان يقدره عليه من غير ان يكون لاحد من الفريقين داع إلى ما فعل به من البسط والقدر فربما يوسع على العاصي ويضيق على المطيع وربما يعكس الامر وربما يوسع عليهما معا وقد يضيق عليهما وقد يوسع على شخص تارة ويضيق عليه أخرى يفعل كلا من ذلك حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة فلا يقاس على ذلك امر الثواب والعذاب اللذين مناطهما الطاعة وعدمها وقرئ ويقدر بالتشديد «ولكن أكثر الناس لا يعلمون» ذلك فيزعمون ان مدار البسط هو الشرف والكرامة ومدار القدر هو الهوان ولا يدرون ان الأول كثيرا ما يكون بطريق الاستدراج والثاني بطريق الابتلاء ورفع الدرجات «وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم
(١٣٥)