واستيلاء بالوسوسة والاستواء وقوله تعالى «إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك» استثناء مفرغ من أعلم العلل ومن موصولة أي وما كان تسلطه عليهم إلا ليتعلق علمنا بمن يؤمن بالآخرة متميزا ممن هو في شك منها تعلقا حاليا يترتب عليه الجزاء أو إلا ليتميز المؤمن من الشاك أو إلا ليؤمن قدر إيمانه ويشك من قدر ضلاله والمراد من حصول العلم حصول متعلقه مبالغة «وربك على كل شيء حفيظ» أي محافظ عليه فإن فعيلا ومفاعلا صيغتان متآخيتان «قل» أي للمشركين إظهارا لبطلان ما هم عليه وتبكيتا لهم «ادعوا الذين زعمتم» أي زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم ثم حذف الأول تخفيفا لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته أعنى قوله تعالى «من دون الله» مقامه ولا سبيل إلى جعله مفعولا ثانيا لأنه لا يلتئم مع الضمير كلاما وكذا لا يملكون لأنهم لا يزعمونه والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع أو دفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم ثم أجاب عنهم إشعارا بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال «لا يملكون مثقال ذرة» من خير وشر ونفع وضر «في السماوات ولا في الأرض» أي في أمر ما من الأمور وذكرهما للتعميم عرفا أو لان آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام أو لان الأسباب القريبة للخير سماوية وأرضية والجملة استئناف لبيان حالهم «وما لهم» أي لآلهتهم «فيهما من شرك» أي شركة لا خلقا ولا ملكا ولا تصرفا «وما له» أي لله تعالى «منهم» من آلهتهم «من ظهير» يعينه في تدبير أمرهما «ولا تنفع الشفاعة عنده» أي لا توجد رأسا كما في قوله ولا ترى الضب بها ينجحر لقوله تعالى «من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه» وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحا بنفي ما هو غرضهم من وقوعها وقوله تعالى «إلا لمن أذن له» استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تقع الشفاعة في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له في الشفاعة من النبيين والملائكة ونحوهم من المستأهلين لمقام الشفاعة فتبين حرمان الكفرة منها بالكلية أما من جهة أصنامهم فلظهور انتفاء الإذن لها ضرورة استحالة الإذن في الشفاعة لجماد لا يعقل ولا ينطق وأما من جهة من يعبدونه من الملائكة فلأن إذنهم مقصور على الشفاعة للمستحقين لها لقوله تعالى «لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا» ومن البين أن الشفاعة للكفرة بمعزل من الصواب أولا تنفع الشفاعة من الشفعاء المستأهلين لها في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أي لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وأما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلا وإن فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء إذ لم يؤذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص ومن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حيث
(١٣١)