فإن قلت: ما أتاني من رجل، كان نفيا لذلك كله، قال: هذا معنى كلامه.
والحاصل أن " من " في سياق النفي تعم وتستغرق.
ويلتحق بالنفي الاستفهام، كقوله تعالى: * (هل ترى من فطور) *.
وجوز الأخفش زيادتها في الإثبات، كقوله: * (يغفر لكم من ذنوبكم) *، والمراد الجميع، بدليل: * (إن الله يغفر الذنوب جميعا) *، فوجب حمل الأول على الزيادة دفعا للتعارض.
وقد نوزع في ذلك، بأنه إنما يقع التعارض لو كانتا في حق قبيل واحد، وليس كذلك، فإن الآية التي فيها " من " لقوم نوح، والأخرى لهذه الأمة.
فإن قيل: فإذا غفر للبعض كان البعض الآخر معاقبا عليه، فلا يحصل كمال الترغيب في الإيمان، إلا بغفران الجميع.
وأيضا: فكيف يحسن التبعيض فيها، مع أن الإسلام يجب ما قبله، فيصح قول الأخفش، فالجواب من وجوه:
أحدها: أن المراد بغفران بعض الذنوب في الدنيا، لأن إغراق قوم نوح عذاب لهم، وذلك إنما كان في الدنيا مضافا إلى عذاب الآخرة، فلو آمنوا لغفر لهم من الذنوب ما استحقوا به الإغراق في الدنيا، وأما غفران الذنب بالإيمان في الآخرة فمعلوم.
والثاني: أن الكافر إذا آمن فقد بقى عليه ذنوب وهي مظالم العباد، فثبت التبعيض بالنسبة للكافر.
الثالث: أن قوله: * (ذنوبكم) * يشمل الماضية والمستقبلة، فإن الإضافة تفيد