تنبيهات الأول: ما ذكرنا من كون " بلى " إنما يجاب بها النفي، هو الأصل، وأما قوله تعالى: * (بلى قد جاءتك آياتي) *، فإنه لم يتقدمها نفى لفظا لكنه مقدر; فإن معنى * (لو أن الله هداني) * ما هداني، فلذلك أجيب ب " بلى " التي هي جواب النفي المعنوي، ولذلك حققه بقوله: * (قد جاءتك آياتي) * وهي من أعظم الهدايات.
ومثله * (بلى قادرين) *، فإنه سبق نفى، وهو * (أن لن نجمع عظامه) *، فجاءت الآية على جهة التوبيخ لهم في اعتقادهم أن الله لا يجمع عظامهم، فرد عليهم بقوله: * (بلى قادرين) *.
وقال ابن عطية: حق " بلى " أن تجئ بعد نفى عليه تقرير. وهذا القيد الذي ذكره في النفي لم يذكره غيره، وأطلق النحويون أنها جواب النفي.
وقال الشيخ أثير الدين: حقها أن تدخل على النفي، ثم حمل التقرير على النفي، ولذلك لم يحمله عليه بعض العرب، وأجابه بنعم.
وسأل الزمخشري: هلا قرن الجواب بما هو جواب له، وهو قوله: * (أن الله هداني) *، [ولم يفصل بينهما بآية؟] وأجاب بأنه إن تقدم على إحدى القرائن الثلاث فرق بينهن وبين النظم، فلم يحسن، وإن تأخرت القرينة الوسطى نقض الترتيب وهو التحسر على التفريط في الطاعة ثم التعليل بفقد الهداية ثم تمنى الرجعة; فكان الصواب ما جاء عليه، وهو أنه حكى أقوال النفس على ترتيبها ونظمها. ثم أجاب عما اقتضى الجواب من بينها.