فيذكر، عدل الكليم عن مقصود السائل إلى الجواب بما يعرف الصواب عند كيفية الخطاب; ولا يستحق الجريان معه، فأجابه بالوصف المنبه، عن الظن المؤدى لمعرفته، لكنه لما لم يطابق السؤال عنه فرعون لجهله، واعتقد الجواب خطأ * (قال لمن حوله ألا تستمعون) *، فأجابه الكليم بجواب يعم الجميع، ويتضمن الإبطال لعين ما يعتقدونه من ربوبية فرعون لهم بقوله: * (وربكم ورب آبائكم الأولين) *، فأجاب بالأغلظ، وهو ذكر الربوبية لكل ما هو من عالمهم نصا. ولما لم يرهم موسى عليه السلام تفطنوا غلظ عليهم في الثالثة، بقوله: * (إن كنتم تعقلون) * فكأنه شك في حصول عقلهم.
فإن قيل: قوله تعالى: * (يسألونك عن الشهر الحرام) * ولم يقل: " عن قتال في الشهر الحرام "، لأنهم لم يسألوا إلا من أجل القتال فيه، فكان ذكره أولى!
وقيل: لم يقع السؤال إلا بعد القتال; فكان الاهتمام بالسؤال عن هذا الشهر: هل أبيح فيه القتال؟ وأعاده بلفظ الظاهر، ولم يقل: " هو كبير " ليعلم حكم قتال وقع في الشهر الحرام.
وقد يعدل عن الجواب إذا كان السائل قصده التعنت، كقوله تعالى: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى) * فذكر صاحب الإيضاح في خلق الإنسان: إن اليهود إنما سألوا تعجيزا وتغليظا، إذا كان الروح يقال بالاشتراك على روح الإنسان وجبريل وملك آخر، يقال له الروح، وصنف من الملائكة والقرآن وعيسى، فقصد اليهود أن يسألوه، فبأي يسمى أجابهم قالوا: ليس هو، فجاءهم الجواب مجملا، فكان هذا الإجمال كيدا يرسل به كيدهم.