مثال ما عدل عنه قوله تعالى: * (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) * فعدل عن الجواب لما قالوا: ما بال الهلال يبدو رقيقا مثل الخيط، ثم يتزايد قليلا قليلا حتى يمتلئ ويستوى، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ؟ فأجيبوا بما أجيبوا، به لينتهوا على أن الأهم ما تركوا السؤال عنه.
وكقوله تعالى: * (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل) * سألوا عما ينفقون، فأجيبوا ببيان المصرف; تنزيلا لسؤالهم منزلة سؤال غيره، لينبه على ما ذكرنا، ولأنه قد تضمن قوله:
* (قل ما أنفقتم من خير) * بيان ما ينفقونه وهو خير، ثم زيدوا على الجواب بيان المصرف.
ونظيره: * (وما تلك بيمينك يا موسى) *، فيكون طابق وزاد. نعم روى عن ابن عباس أنه قال: جاء عمرو بن الجموح، وهو شيخ كبير له مال عظيم، فقال: ماذا أنفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت، فعلى هذا ليست الآية مما نحن فيه، لأن السائل لم يتعلق بغير ما يطلب، بل أجيب ببعض ما سأل عنه.
وقال ابن القشيري: السؤال الأول كان سؤالا عن النفقة إلى من تصرف، ودل عليه الجواب، والجواب يخرج على وفق السؤال; وأما هذا السؤال الثاني فعن قدر الإنفاق، ودل عليه الجواب أيضا.
ومن ذلك أجوبة موسى عليه السلام لفرعون حيث قال فرعون: * (وما رب العالمين.
قال رب السماوات والأرض وما بينهما) *، لأن " ما " سؤال عن الماهية أو عن الجنس، ولما كان هذا السؤال خطأ; لأن المسؤول عنه ليس ترى ماهيته فتبين، ولا جنس له