ومنها مجئ المشرق والمغرب في القرآن تارة بالجمع، وأخرى بالتثنية، وأخرى بالإفراد، لاختصاص كل مقام بما يقتضيه.
فالأول كقوله: * (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) *.
والثاني كقوله: * (رب المشرقين ورب المغربين) *.
والثالث قوله: * (رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو) * فحيث جمع كان المراد نفى المشرق والمغرب، وحيث ثنيا كان المراد مشرقي صعودها وارتفاعها; فإنها تبتدئ صاعدة، حتى تنتهي إلى غاية أوجها وارتفاعها; فهذا مشرق صعودها وارتفاعها; وينشأ منه فصلا الخريف والشتاء، فجعل مشرق صعودها بجملته مشرقا واحدا، ومشرق هبوطها بجملته مشرقا واحدا، ومقابلهما مغربا.
وقيل: هو إخبار عن الحركات الفلكية، متحركة بحركات متداركة، لا تنضبط لخطة ولا تدخل تحت قياس; لأن معنى الحركة انتقال الشئ من مكان إلى آخر، وهذه صفة الأفلاك، قال تعالى: * (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر...) *، الآية، فهذا وجه اختلاف هذه الألفاظ بالإفراد والتثنية والجمع، وقد أجرى الله العادة إن القمر يطلع في كل ليلة من مطلع غير الذي طلع فيه بالأمس، وكذلك الغروب، فهي من أول فصل الصيف في تلك المطالع والمغارب; إلى إن تنتهي إلى مطلع الاعتدال، ومغربه عند أول فصل الخريف، ثم تأخذ جنوبا في كل يوم في مطلع ومغرب، إلى أن تنتهي إلى آخر مثلها الذي يقدر الله لها عند أول فصل الشتاء، ثم ترجع كذلك إلى أن تنتهي إلى مطلع الاعتدال الربيعي ومغربه، وهكذا أبدا. فحيث أفرد الله له لفظ المشرق والمغرب، أراد به الجهة نفسها التي تشتمل الواحدة على تلك المطالع جميعها، والأخرى على تلك المغارب من غير نظر إلى تعددها; وحيث جئ بلفظ الجمع المراد به