وأما قوله تعالى: * (واتقوا الله ويعلمكم الله) *; فظن بعض الناس أن التقوى سبب التعليم، والمحققون على منع ذلك; لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط، فلم يقل: " واتقوا الله يعلمكم " ولا قال: " فيعلمكم الله "، وإنما أتى بواو العطف، وليس فيه ما يقتضى أن الأول سبب للثاني، وإنما غايته الاقتران والتلازم، كما يقال: زرني وأزورك، فقال وسلم علينا ونسلم عليك، ونحوه مما يقتضى اقتران الفعلين والتعارض من الطرفين، كما لو قال [عبد] لسيده: أعتقني ولك على ألف، أو قالت:
المرأة لزوجها: طلقني ولك ألف; فإن ذلك بمنزلة قولها: بألف أو على ألف. وحينئذ فيكون متى علم الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك.
نظير الآية قوله تعالى: * (فاعبده وتوكل عليه) *.
وقوله عقيب ذكر الغيبة: * (واتقوا الله إن الله تواب رحيم) *، ووجه هذا الختام التنبيه على التوبة من الاغتياب، وهو من الظلم.
هاهنا بحث، وهو أن الأئمة اختلفوا في أن العلم هل يستدعى مطاوعة أم لا؟
على قولين:
أحدهما: نعم، بدليل قوله تعالى: * (من يهد الله فهو المهتدى) * فأخبر عن كل من هداه الله بأنه يهتدى. وأما قوله: * (وأما ثمود فهديناهم) *، فليس منه لأن المراد بالهداية فيه الدعوة، بدليل: * (فاستحبوا العمى على الهدى) *.
والثاني: لا يدل على المطاوعة، بدليل قوله: * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) *.
وقوله: * (ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا) *، لأن التخويف حصل، ولم يحصل