قال: ويحتمل أن الجعل على بابه، والمراد القرآن بمعنى القراءة دون مدلولها، فإن القرآن قد يطلق بمعنى القراءة، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: " ما أذن الله لشئ أذنه لنبي يتغنى في " القرآن " أي بالقراءة.
قال بعضهم: قاعدة العرب في الجعل أن يتعدى لواحد، وتارة يتعدى لاثنين; فإن تعدى لواحد لم يكن إلا بمعنى الخلق، وأما إذا تعدى لاثنين فيجئ بمعنى الخلق، كقوله تعالى: * (وجعلنا الليل والنهار آيتين) *، وبمعنى التسمية: * (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا) *، * (الذين جعلوا القرآن عضين) *.
ويجئ بمعنى التصيير، كقوله تعالى: * (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) *، أي صيرنا هما.
* * * إذا علمت هذا فإذن ثبت أن الجعل المتعدى لاثنين ليس نصا في الخلق، بل يحتمل الخلق وغيره ولم يكن في الآية تعلق للقدرية على خلق القرآن، لأن الدليل لابد أن يكون قطعيا لا احتمال فيه. ويجوز أن يكون بمعنى الخلق على معنى: جعلنا التلاوة عربية.
قلت: وهذا يمنع إطلاقه; وإن جوزنا حدوث الألفاظ، لأنها لم تأت عن السلف، بل نقول: القرآن غير مخلوق على الإطلاق.
الخامس: بمعنى الاعتقاد، كقوله تعالى: * (وجعلوا لله شركاء الجن) *، * (ويجعلون لله ما يكرهون) *.