ثم جاء بعدهم طبقة فطبقة، فجدوا واجتهدوا; وكل ينفق مما رزق الله; ولهذا كان سهل بن عبد الله يقول: لو أعطى العبد بكل حرف من القرآن ألف فهم لم يبلغ نهاية ما أودعه في آية من كتابه; لأنه كلام الله، وكلامه صفته. وكما أنه ليس لله نهاية، فكذلك لا نهاية لفهم كلامه; وإنما يفهم كل بمقدار ما يفتح الله عليه. وكلام الله غير مخلوق، ولا تبلغ إلى نهاية فهمه فهو محدثة مخلوقة.
ولما كانت علوم القرآن لا تنحصر، ومعانيه لا تستقصى، وجبت العناية بالقدر الممكن. ومما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع الناس ذلك بالنسبة إلى علم الحديث; فاستخرت الله تعالى - وله الحمد - في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه، وخاضوا في نكته وعيونه، وضمنته من المعاني الأنيقة، والحكم الرشيقة، ما يهز القلوب طربا، ويبهر العقول عجبا; ليكون مفتاحا لأبوابه، عنوانا على كتابه; معينا للمفسر على حقائقه، ومطلعا على بعض أسراره ودقائقه; والله المخلص والمعين، وعليه أتوكل، وبه استعين، وسميته: " البرهان في علوم القران ". وهذه فهرست أنواعه:
الأول: معرفة سبب النزول.
الثاني: معرفة المناسبات بين الآيات.
الثالث: معرفة الفواصل.
الرابع: معرفة الوجوه والنظائر.
الخامس: علم المتشابه.