واعلم أن من المعلوم أن الله تعالى إنما خاطب خلقه بما يفهمونه; ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه، وأنزل كتابه على لغتهم; وإنما احتيج إلى التفسير لما سنذكر، بعد تقرير قاعدة; وهي أن كل من وضع من البشر كتابا فإنما وضعه ليفهم بذاته من غير شرح; وإنما احتيج إلى الشروح لأمور ثلاثة:
أحدها: كمال فضيلة المصنف; فإنه لقوته العلمية يجمع المعاني الدقيقة في اللفظ الوجيز، فربما عسر فهم مراده، فقصد بالشرح ظهور تلك المعاني الخفية; ومن هنا كان شرح بعض الأئمة تصنيفه أدل على المراد من شرح غيره له.
وثانيها [قد يكون] حذف بعض مقدمات الأقيسة بكر أو أغفل فيها شروطا اعتمادا على وضوحها، أو لأنها من علم آخر; فيحتاج الشارح لبيان المحذوف ومراتبه.
وثالثها: احتمال اللفظ لمعان ثلاثة; كما في المجاز والاشتراك ودلالة الالتزام; فيحتاج الشارح إلى بيان غرض المصنف وترجيحه. وقد يقع في التصانيف ما لا يخلو منه بشر من السهو والغلط وتكرار الشئ، وحذف المهم; وغير ذلك; فيحتاج الشارح للتنبيه على ذلك.
* * * وإذا علم هذا فنقول: إن القرآن إنما أنزل بلسان عربي مبين في زمن أفصح العرب وكانوا يعلمون ظواهره وأحكامه; أما دقائق باطنه فإنما كان يظهر لهم بعد البحث والنظر، من سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأكثر; كسؤالهم لما نزل: * (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) * فقالوا: أينا لم يظلم نفسه! ففسره النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك; واستدل