وقوله تعالى: * (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم) *. وجه المناسبة في الحكم محمول على قول مجاهد: إن من حضر الموصى فرأى منه جنفا على الورثة في وصيته مع فقرهم، فوعظه في ذلك وأصلح بينه وبينهم حتى رضوا، فلا إثم عليه، وهو غفور للموصى إذا ارتدع بقول من وعظه، فرجع عماهم به وغفرانه لهذا برحمته لاخفاء به، والإثم المرفوع عن القائل; يحتمل أن يكون إثم التبديل السابق في الآية قبلها في قوله تعالى: * (فمن بدله بعد ما سمعه) * يعنى من الموصى، أي لا يكون هذا المبدل داخلا تحت وعيد من بدل على العموم; لأن تبديل هذا تضمن مصلحة راجحة فلا يكون كغيره. وقد أشكل على ذلك مواضع; منها قوله تعالى:
* (إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) *. فإن قوله:
* (وإن تغفر لهم) * يوهم أن الفاصلة " الغفور الرحيم "، وكذا نقلت عن مصحف أبى رضي الله عنه، وبها قرأ ابن شنبود. ولكن إذا أنعم النظر علم أنه يجب أن يكون ما عليه التلاوة; لأنه لا يغفر لمن يستحق العذاب إلا من ليس فوقه أحد يرد عليه حكمه، فهو العزيز; لان العزير في صفات الله هو الغالب; ممن قولهم: عزه يعزه إذا غلبه; ووجب أن يوصف بالحكيم أيضا، لأن الحكيم من يضع الشئ في محله، فالله تعالى كذلك.
إلا أنه قد يخفى وجه الحكمة في بعض أفعاله، فيتوهم الضعفاء أنه خارج عن الحكمة، فكان في الوصف بالحكيم احتراس حسن; أي وإن تغفر لهم مع استحقاقهم العذاب فلا معترض عليك لأحد في ذلك، والحكمة فيما فعلته. وقيل: لا يجوز " الغفور الرحيم " لأن الله تعالى قطع لهم بالعذاب في قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به) *. وقيل لأنه