وأما قوله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) *; فمناسبة الجزاء للشرط أنه لما أقدم المؤمنون وهم - ثلاثمائة وبضعة عشر - على قتال المشركين - وهم زهاء ألف - متوكلين على الله تعالى، وقال المنافقون: * (غر هؤلاء دينهم) * حتى أقدموا على ثلاثة أمثالهم عددا أو أكثرهم; قال الله تعالى ردا على المنافقين وتثبيتا للمؤمنين: * (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) * في جميع أفعاله.
وأما قوله تعالى: * (وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا) *. فإن قيل: ما وجه الختام بالحلم والمغفرة عقيب تسابيح الأشياء وتنزيهها؟ أجاب صاحب الفنون بثلاثة أوجه:
أحدها: إن فسرنا التسبيح على ما درج في الأشياء من العبر، وأنها مسبحات بمعنى مودعات من دلائل العبر ودقائق الإنعامات والحكم ما يوجب تسبيح المعتبر المتأمل; فكأنه سبحانه يقول: إنه كان من كبير إغفالكم لو النظر في دلائل العبر مع امتلاء الأشياء بذلك. وموضع العتب قوله: * (وكأين من دابة في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) *; كذلك موضع المعتبة قوله: * (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) *.
وقد كان ينبغي أن يعرفوا بالتأمل ما يوجب القربة لله; مما أودع مخلوقاته بما يوجب تنزيهه; فهذا موضع حلم وغفران عما جرى في ذلك من الإفراط والإهمال.
الثاني: إن جعلنا التسبيح حقيقة في الحيوانات بلغاتها فمعناه: الأشياء كلها تسبحه