سبحانه ذكر العلم بجملته حيث قال: * (السماوات والأرض) * ومعرفة الصانع من الآيات الدالة على أن المخترع له قادر عليم حكيم، وإن دل على وجود صانع مختار لدلالتها على صفاته مرتبة على دلالتها على ذاته، فلا بد أولا من التصديق بذاته; حتى تكون هذه الآيات دالة على صفاته، لتقدم الموصوف وجودا واعتقادا على الصفات.
وكذلك قوله في الآية الثانية: * (لقوم يوقنون) *، فإن سر الانسان وتدبر خلقة الحيوان أقرب إليه من الأول، وتفكره في ذلك مما يزيده يقينا في معتقده الأول وكذلك معرفة جزئيات العالم; من اختلاف الليل والنهار، وإنزال الرزق من السماء، وإحياء الأرض بعد موتها، وتصريف الرياح يقتضى رجاحة العقل ورصانته; لنعلم أن من صنع هذه الجزئيات هو الذي صنع العالم الكلى التي هي أجرامه وعوارض عنه. ولا يجوز أن يكون بعضها صنع بعضا. فقد قام البرهان على أن للعالم الكلى صانعا مختارا، فلذلك اقتضت البلاغة أن تكون فاصلة الآية الثالثة: * (لقوم يعقلون) * وإن احتيج إلى العقل في الجميع; إلا أن ذكره هاهنا أنسب بالمعنى الأول; إذ بعض من يعتقد صانع العالم ربما قال:
إن بعض هذه الآثار يصنع بعضا، فلا بد إذا من التدبر بدقيق الفكر وراجح العقل.
ومنه قوله تعالى حكاية عن لقمان: * (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير) *.
ومنه قوله تعالى: * (أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون) *. والمناسبة فيه قوية; لأن من دل عدوه على عورة نفسه، وأعطاه سلاحه