وإن كان ما يقرؤه من الآي مما أمر الله به أو نهى عنه أضمر قبول الأمر والائتمار، والانتهاء عن المنهى والاجتناب له. فإن كان ما يقرؤه من ذلك وعيدا وعد الله به المؤمنين فلينظر إلى قلبه، فإن جنح إلى الرجاء فزعه بالخوف، وإن جنح إلى الخوف فسح له في الرجاء; حتى يكون خوفه ورجاؤه معتدلين، فإن ذلك كمال الإيمان.
وإن كان ما يقرؤه من الآي من المتشابه الذي تفرد الله بتأويله، فليعتقد الإيمان به كما أمر الله تعالى فقال: * (فأما الذين قى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله) * يعنى عاقبة الأمر منه، ثم قال تعالى: * (وما يعلم تأويله إلا الله) *.
وإن كان موعظة اتعظ بها، فإنه إذا فعل هذا فقد نال كمال الترتيل.
وقال بعضهم: الناس في تلاوة القرآن ثلاثة مقامات.
الأول: من يشهد أوصاف المتكلم في كلامه ومعرفة معاني خطابه، فينظر إليه من كلامه، وتكلمه بخطابه، وتمليه كل بمناجاته، وتعرفه من صفاته، فإن كل كلمة تنبئ عن معنى اسم، أو وصف، أو حكم، أو إرادة، أو فعل; لأن الكلام ينبئ عن معاني الأوصاف، ويدل على الموصوف، وهذا مقام العارفين من المؤمنين، لأنه لا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته، ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث أنه منعم عليه، بل هو مقصور الفهم عن المتكلم، موقوف الفكر عليه، مستغرق بمشاهدة المتكلم; ولهذا قال جعفر بن محمد الصادق: لقد تجلى الله لخلقه بكلامه، ولكن لا يبصرون.
ومن كلام الشيخ أبى عبد الله القرشي: لو طهرت القلوب لم تشبع من التلاوة للقرآن.
الثاني: من يشهد بقلبه كأنه تعالى يخاطبه ويناجيه بألطافه، ويتملقه بإنعامه