ومن الاستمالة والاسترضاء رسول ما لا يخرق السمع أنفذ منه إلى القلوب، وأوقع على المطلوب، قوله صلى الله عليه وسلم للأنصار وقد وجدوا في نفوسهم قسمة الغنائم في غيرهم: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم كذا! ألم أجدكم كذا! ثم قال: أجيبوني، فما زادوا على قولهم:
الله ورسوله أمن، فقال عليه الصلاة والسلام: أما إنكم إن شئتم لقلتم - [فلصدقتم]، ولصدقتم: -: جئتنا بحال كذا وكذا. فانظر ما أعجب هذا! استشعر منهم عليه السلام أن إمساكهم عن الجواب أدب معه لا عجز عنه، فأعلمهم بأنهم لو قالوا صدقوا، ولم يكن هو بالذي يغضب من سماعه، ثم زادهم تكريما بقوله: " أما ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وتنصرفوا برسول الله إلى رحالكم "، ثم زاد يمينه المباركة البرة على فضل ما ينصرفون به; اللهم انفعنا بمحبته، وتفضل علينا بشفاعته!
ومما تجد من هذا الطراز قول بعضهم:
- أناس أعرضوا عنا * بلا جرم ولا معنى - - أساءوا ظنهم فينا * فهلا أحسنوا الظنا! - - فإن عادوا لنا عدنا * وإن خانوا فما خنا - - وإن كانوا قد استغنوا * فإنا عنهم أغنى - - وإن قالوا ادن منا بعد * باعدنا من استدنى - ومن الإغضاب العجيب قوله تعالى: * (إنما ينهاكم الله عن الدين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم