قلت: إنما سكت الأولون عنه لأن القصد من إنزال القرآن تعليم الحلال والحرام.
وتعريف شرائع الاسلام وقواعد الإيمان، ولم يقصد منه تعليم طرق الفصاحة; وإنما جاءت لتكون معجزة، وما قصد به الإعجاز لا سبيل إلى معرفة طريقه، فلم يكن الخوض فيه مسوغا; إذ البلاغة ليست مقصودة فيه أصلا; لأنه موجود في الصحف الأولى; لامع هذه البلاغة المعينة; وإنما كان بليغا بحسب كمال المتكلم; فلهذا لم يتكلم السلف في ذلك، وكان معرفتهم بأساليب البلاغة مما لا يحتاج فيه إلى بيان، بخلاف استنباط الأحكام، فلهذا تكلموا في الثاني دون الأول.
واعلم أن معرفة هذه الصناعة بأوضاعها هي عمدة التفسير، المطلع على عجائب كلام الله، وهي قاعدة الفصاحة وواسطة عقد البلاغة، ولو لم يحبب الفصاحة إلا قول الله تعالى:
* (الرحمن علم القرآن. خلق الانسان. علمه البيان) *، [لكفى]، والمعلومات كثيرة، ومنن الله تعالى جمة، ولم يخصص الله من نعمه على العبد إلا تعليم البيان وقال تعالى:
* (هذا بيان للناس) *، وقال تعالى: * (تبيانا لكل شئ) *.
ولحذف الواو في قوله تعالى: * (علمه البيان) * نكتة علمية، فإنه جعل تعليم البيان في وزان خلقه، وكالبدل من قوله: * (خلق الانسان) * لأنه حي ناطق; وكأنه إلى نحوه أشار أهل المنطق بقولهم في حد الانسان: * (حيوان ناطق.
ولا شك أن هذه الصناعة تفيد قوة الإفهام على ما يريد الانسان ويراد منه، ليتمكن بها من اتباع التصديق به، وإذعان النفس له.
* * * وينبغي الاعتناء بما يمكن إحصاؤه من المعاني التي تكلم فيها البليغ مثبتا ونافيا.