بأن الله يرى (14) كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية (15) ناصبة كاذبة خاطئة (16) فليدع ناديه (17) سندع الزبانية (18) كلا لا تطعه واسجد واقترب (19) يخبر تعالى عن الانسان أنه ذو فرح وأشر وبطر وطغيان إذا رأى نفسه قد استغنى وكثر ماله ثم تهدده وتوعده ووعظه فقال " إن إلى ربك الرجعي " أي إلى الله المصير والمرجع وسيحاسبك على مالك من أين جمعته وفيم صرفته.
قال ابن أبي حاتم حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو عميس عن عون قال: قال عبد الله: منهومان لا يشبعان صاحب العلم وصاحب الدنيا ولا يستويان فأما صاحب العلم فيزداد رضى الرحمن وأما صاحب الدنيا فيتمادى في الطغيان قال ثم قرأ عبد الله " إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى " وقال للآخر " إنما يخشى الله من عباده العلماء " وقد روي هذا مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا ". ثم قال تعالى (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى) نزلت في أبي جهل لعنه الله توعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عند البيت فوعظه تعالى بالتي هي أحسن أولا فقال (أرأيت إن كان على الهدى) أي فما ظنك إن كان هذا الذي تنهاه على الطريق المستقيمة في فعله (أو أمر بالتقوى) بقوله وأنت تزجره وتتوعده على صلاته ولهذا قال " ألم يعلم بأن الله يرى " أي أما علم هذا الناهي لهذا المهتدي أن الله يراه ويسمع كلامه وسيجازيه على فعله أتم الجزاء. ثم قال تعالى متوعدا ومتهددا " كلا لئن لم ينته " أي لئن لم يرجع عما هو فيه من الشقاق والعناد " لنسفعا بالناصية " أي لنسمنها سوادا يوم القيامة ثم قال " ناصية كاذبة خاطئة " يعني ناصية أبي جهل كاذبة في مقالها خاطئة في أفعالها " فليدع ناديه " أي قومه وعشيرته أي ليدعهم يستنصر بهم " سندع الزبانية " وهم ملائكة العذاب حتى يعلم من يغلب أحزبنا أو حزبه؟ قال البخاري حدثنا يحيى حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال " لئن فعل لاخذته الملائكة " ثم قال تابعه عمرو بن خالد عن عبيد الله يعني ابن عمرو عن عبد الكريم. وكذا رواه الترمذي والنسائي في تفسيرهما من طريق عبد الرزاق به وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كريب عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو به. وروى أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وهذا لفظه من طريق داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المقام فمر به أبو جهل بن هشام فقال يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره فقال يا محمد بأي شئ تهددني؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا فأنزل الله " فليدع ناديه سندع الزبانية " وقال ابن عباس: لو دعا ناديه لاخذته ملائكة العذاب من ساعته وقال الترمذي حسن صحيح. وقال الإمام أحمد أيضا حدثنا إسماعيل بن يزيد أبو يزيد حدثنا فرات عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت رسول الله يصلي عند الكعبة لآتينه حتى أطأ على عنقه قال: فقال " لو فعل لاخذته الملائكة عيانا ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجعوا لا يجدون مالا ولا أهلا ".
وقال ابن جرير أيضا حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن الوليد بن العيزار عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن عاد محمد يصلى عند المقام لأقتلنه فأنزل الله عز وجل " اقرأ باسم ربك الذي خلق " حتى بلغ هذه الآية " لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانيه " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلى فقيل ما يمنعك؟ قال قد اسود ما بيني وبينه من الكتائب قال ابن عباس والله لو تحرك لاخذته الملائكة والناس ينظرون إليه. وقال ابن جرير حدثنا ابن عبد الاعلى حدثنا المعتمر عن أبيه حدثنا نعيم بن أبي هند عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا نعم قال: فقال واللات والعزى لئن رأيته يصلي كذلك لأطأن على رقبته ولأعفرن وجهه في التراب فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه قال: فقيل له مالك؟ فقال إن بيني وبينه