فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن فقال له أبوه أي بني أراك تعتق أناسا ضعفاء فلو أنك تعتق رجالا جلداء يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك فقال أي أبت إنما أريد - أظنه قال - ما عند الله قال فحدثني بعض أهل بيتي أن هذه الآية أنزلت فيه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وقوله تعالى " وما يغني عنه ماله إذا تردى " قال مجاهد: أي إذا مات. وقال أبو صالح ومالك عن زيد بن أسلم إذا تردى في النار.
إن علينا للهدى (12) وإن لنا للآخرة والأولى (13) فأنذرتكم نارا تلظى (14) لا يصلاها إلا الأشقى (15) الذي كذب وتولى (16) وسيجنبها الأتقى (17) الذي يؤتى ماله يتزكى (18) وما لاحد عنده من نعمة تجزى (19) إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى (20) ولسوف يرضى (21) قال قتادة " إن علينا للهدى " أي نبين الحلال والحرام وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله وجعله كقوله تعالى " وعلى الله قصد السبيل " حكاه ابن جرير وقوله تعالى " إن لنا للآخرة والأولى " أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما. وقوله تعالى " فأنذرتكم نارا تلظى " قال مجاهد أي توهج. قال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سماك بن حرب سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول " أنذرتكم النار " حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثني شعبة حدثني أبو إسحق سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه " رواه البخاري وقال مسلم حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أهون أهل النار عذابا من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا وإنه لأهونهم عذابا " وقوله تعالى " لا يصلاها إلا الأشقى " أي لا يدخلها دخولا يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ثم فسره فقال " الذي كذب " أي بقلبه " وتولى " أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
قال الإمام أحمد حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يدخل النار إلا شقي " قيل ومن الشقي قال " الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية ".
وقال الإمام أحمد حدثنا يونس وشريح قالا حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى " قالوا من يأبى يا رسول الله؟ قال " من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى " ورواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى " وسيجنبها الأتقى " أي وسيزحزح عن النار التقي الأتقى ثم فسره بقوله " الذي يؤتى ماله يتزكى " أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا " وما لاحد عنده من نعمة تجزى " أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفا فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما دفعه ذلك " ابتغاء وجه ربه الاعلى " أي طمعا في أن يحصل له رؤيته في الدار الآخرة في روضات الجنات قال الله تعالى " ولسوف يرضي " أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حتى إن بعضهم حكى الاجماع من المفسرين على ذلك ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها لفظ العموم وهو قوله تعالى " وسيجنبها الأتقى الذي يؤتى ماله يتزكى وما لاحد عنده من نعمة تجزى " ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة فإنه