ولا يحيون وأن أهل النار الذين يريد الله إخراجهم يميتهم فيها إماتة حتى يصيروا فحما ثم يخرجون ضبائر فيلقون على أنهار الجنة فيرش عليهم من أنهار الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ". وقد قال الله تعالى إخبارا عن أهل النار " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون " وقال تعالى " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى.
قد أفلح من تزكى (14) وذكر اسم ربه فصلى (15) بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى (17) إن هذا لفي الصحف الأولى (18) صحف إبراهيم وموسى (19) يقول تعالى (قد أفلح من تزكى) أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة وتابع ما أنزل الله على الرسول صلى الله عليه وسلم (وذكر اسم ربه فصلى) أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وطاعة لأمر الله وامتثالا لشرع الله. وقد قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا عباد بن أحمد العزرمي حدثنا عمي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قد أفلح من تزكى " قال " من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله " " وذكر اسم ربه فصلى " قال " هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها " ثم قال لا يروي عن جابر إلا من هذا الوجه وكذا قال ابن عباس إن المراد بذلك الصلوات الخمس واختاره ابن جرير. وقال ابن جرير حدثني عمرو بن عبد الحميد الأيلي حدثنا مروان بن معاوية عن أبي خلدة قال دخلت على أبي العالية فقال لي إذا غدوت غدا إلى العيد فمر بي قال فمررت به فقال هل طعمت شيئا؟ قلت نعم قال أفضت على نفسك من الماء؟ قلت نعم قال فأخبرني ما فعلت زكاتك؟ قلت قد وجهتها قال إنما أردتك لهذه ثم قرأ " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " وقال إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء " قلت " وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الآية " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى " وقال أبو الأحوص إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة فليقدم بين يدي صلاته زكاته فإن الله تعالى يقول " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " وقال قتادة في هذه الآية " قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى " زكي ماله وأرضى خالقه.
ثم قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا) أي تقدمونها على أمر الآخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم (والآخرة خير وأبقى) أي ثواب الله في الدار الآخرة خير من الدنيا وأبقى فإن الدنيا دانية فانية والآخرة شريفة باقية فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريبا ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد. قال الإمام أحمد حدثنا حسين بن محمد حدثنا دويد عن أبي إسحاق عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا دار من لا دار له ومال من لا مال له ولها يجمع من لا عقل له " وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا يحيي بن واضح حدثنا أبو حمزة عن عطاء عن عرفجة الثقفي قال: استقرأت ابن مسعود " سبح اسم ربك الاعلى - فلما بلغ - بل تؤثرون الحياة الدنيا " ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال آثرنا الدنيا على الآخرة فسكت القوم فقال آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل. وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد حدثنا سليمان بن داود الهاشمي حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني عمرو بن أبي عمر وعن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من أحب دنياه أضر بآخرته ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى " تفرد به أحمد. وقد رواه أيضا عن أبي سلمة الخزاعي عن الدراوردي عن