أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم " (1)، والآية التي في الجاثية (2) " أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة (3) " الآية.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأهن يستتر من المشركين. قال كعب رضى الله تعالى عنه:
فحدثت بهن رجلا من أهل الشام، فأتى أرض الروم فأقام بها زمانا، ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن فصاروا يكونون معه على طريقه ولا يبصرونه. قال الثعلبي (4): وهذا الذي يروونه عن كعب حدثت به رجلا من أهل الري فأسر بالديلم، فمكث زمانا ثم خرج هاربا فخرجوا في طلبه فقرأ بهن حتى جعلت ثيابهن لتلمس ثيابه فما يبصرونه.
قلت: ويزاد إلى هذه الآية أول سورة يس إلى قوله " فهم لا يبصرون (5) ". فإن في السيرة في هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ومقام على رضي الله عنه في فراشه قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ حفنة من تراب في يده، وأخذ الله عز وجل على أبصارهم عنه فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هذه الآيات من يس: " يس. والقرآن الحكيم. إنك لمن المرسلين. على صراط مستقيم. تنزيل العزيز الرحيم. - إلى قوله - وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون ". حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الآيات، ولم يبق منهم رجل إلا وقد وضع على رأسه ترابا، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب.
قلت: ولقد اتفق لي ببلادنا الأندلس بحصن منثور (6) من أعمال قرطبة مثل هذا. وذلك أنى هربت أمام العدو وانحزت إلى ناحية عنه، فلم ألبث أن خرج في طلبي فارسان وأنا في فضاء من الأرض قاعد ليس يسترني عنهما شئ، وأنا أقرأ أول سورة يس وغير ذلك من القرآن، فعبرا على ثم رجعا من حيث جاءا وأحدهما يقول للآخر: هذا ديبله (7)، يعنون شيطانا.
وأعمى الله عز وجل أبصارهم فلم يروني، والحمد لله حمدا كثيرا على ذلك. وقيل: الحجاب