قلت: ويستدل لهذا القول من السنة بما ثبت عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على قبرين فقال: " إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من البول " قال: فدعا بعسيب رطب فشقه اثنين، ثم غرس على هذا واحدا وعلى هذا واحدا ثم قال: " لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ".
فقوله عليه الصلاة والسلام. " ما لم ييبسا " إشارة إلى أنهما ما داما رطبين يسبحان، فإذا يبسا صارا جمادا. والله أعلم. وفى مسند أبى داود الطيالسي: فتوضع على أحدهما نصفا وعلى الآخر نصفا وقال: " لعله أن يهون عليهما العذاب ما دام فيهما من بلوتهما شئ ". قال علماؤنا: ويستفاد من هذا غرس، الأشجار وقراءة القرآن على القبور، وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن. وقد بينا هذا المعنى في (كتاب التذكرة) بيانا شافيا، وأنه يصل إلى الميت ثواب ما يهدى إليه. والحمد لله على ذلك. وعلى التأويل الثاني لا يحتاج إلى ذلك، فإن كل شئ من الجماد وغيره يسبح.
قلت: ويستدل لهذا التأويل وهذا القول من الكتاب بقوله سبحانه وتعالى:
" واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب. إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والاشراق (1) "، وقوله: " وإن منها لما يهبط من خشية الله (2) " - على قول مجاهد -، وقوله:
" وتخر الجبال هدا. أن دعوا للرحمن ولدا (3) ". وذكر ابن المبارك في (دقائقه) أخبرنا مسعر عن عبد الله بن واصل عن عوف بن عبد الله قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن الجبل يقول للجبل: يا فلان، هل مر بك اليوم ذاكر لله عز وجل؟ فإن قال نعم سبه.
ثم قرأ عبد الله " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا (3) " الآية. قال: أفتراهن يسمعن الزور ولا يسمعن الخير. وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما من صباح ولا رواح إلا تنادي بقاع الأرض بعضها بعضا. يا جاراه، هل مر بك اليوم عبد فصلى لله أو ذكر الله عليك؟ فمن قائلة لا، ومن قائلة نعم، فإذا قالت نعم رأت لها بذلك فضلا عليها. وقال رسول الله صلى