المستور طبع الله على قلوبهم حتى لا يفقهوه ولا يدركوا ما فيه من الحكمة، قاله قتادة. وقال الحسن: أي أنهم لاعراضهم عن قراءتك وتغافلهم عنك كمن بينك وبينه حجاب في عدم رؤيته لك حتى كأن على قلوبهم أغطية. وقيل: نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن، وهم أبو جهل وأبو سفيان والنضر بن الحارث وأم جميل امرأة أبى لهب وحويطب، فحجب الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عن أبصارهم عند قراءة القرآن، وكانوا يمرون به ولا يرونه، قاله الزجاج وغيره. وهو معنى القول الأول بعينه، وهو الأظهر في الآية، والله أعلم. وقوله: (مستورا) فيه قولان: أحدهما - أن الحجاب مستور عنكم لا ترونه. والثاني: أن الحجاب ساتر عنكم ما وراءه، ويكون مستورا به بمعنى ساتر.
قوله تعالى: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفئ اذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبرهم نفورا (46) قوله تعالى: (وجعلنا على قلوبهم أكنة) " أكنة " جمع كنان، وهي ما يستر الشئ.
وقد تقدم في " الانعام (1) " (أن يفقهوه) أي لئلا يفقهوه، أو كراهية أن يفقهوه، أي أن يفهموا ما فيه من الأوامر والنواهي والحكم والمعاني. وهذا رد (2) على القدرية. (وفى آذانهم وقرا) أي صمما وثقلا. وفى الكلام إضمار، أي أن يسمعوه. (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده) أي قلت: لا إله إلا الله وأنت تتلو القرآن. وقال أبو الجوزاء أوس بن عبد الله:
ليس شئ أطرد للشياطين من القلب من قول لا إله إلا الله، ثم تلا " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا ". وقال على بن الحسين: هو قوله بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد تقدم هذا في البسملة (3). (ولوا على أدبارهم نفورا) قيل: يعنى بذلك المشركين. وقيل:
الشياطين. و " نفورا " جمع نافر، مثل شهود جمع شاهد، وقعود جمع قاعد، فهو منصوب على الحال. ويجوز أن يكون مصدرا على غير الصدر، إذ كان قوله " ولوا " بمعنى نقروا،