قال: [لي الواجد يحل عرضه وعقوبته]. قال ابن المبارك يحل عرضه يغلظ له، وعقوبته يحبس له. قال الخطابي: الحبس على ضربين، حبس عقوبة، وحبس استظهار، فالعقوبة لا تكون إلا في واجب، وأما ما كان في تهمة فإنما يستظهر بذلك ليستكشف به ما وراءه، وقد روي أنه حبس رجلا في تهمة ساعة من نهار ثم خلى عنه. وروى معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم فإن أعطاه حقه وإلا أمر به إلى السجن.
الحادية عشرة - قوله تعالى: (من بعد الصلاة) يريد صلاة العصر، قاله الأكثر من العلماء، لان أهل الأديان يعظمون ذلك الوقت ويتجنبون فيه الكذب واليمين الكاذبة.
وقال الحسن: صلاة الظهر. وقيل: أي صلاة كانت. وقيل: من بعد صلاتهما على أنهما كافران (1)، قاله السدي. وقيل: إن فائدة اشتراطه بعد الصلاة تعظيما للوقت، وإرهابا به، لشهود الملائكة ذلك الوقت، وفي الصحيح [من حلف على يمين كاذبة بعد العصر لقي الله وهو عليه غضبان].
الثانية عشرة - وهذه الآية أصل في التغليظ في الايمان، والتغليظ يكون بأربعة أشياء:
أحدها - الزمان كما ذكرنا. الثاني - المكان كالمسجد والمنبر، خلافا لأبي حنيفة وأصحابه حيث يقولون: لا يجب استحلاف أحد عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بين الركن والمقام لا في قليل الأشياء ولا في (2) كثيرها، وإلى هذا القول ذهب البخاري - رحمه الله - حيث ترجم (باب يحلف المدعى عليه حيثما وجبت عليه اليمين ولا يصرف من موضع إلى غيره). وقال مالك والشافعي: ويجلب في أيمان القسامة إلى مكة من كان من أعمالها، فيحلف بين الركن والمقام، ويجلب إلى المدينة من كان من أعمالها فيحلف عند المنبر.
الثالث - الحال روى مطرف وابن الماجشون وبعض أصحاب الشافعي أنه يحلف قائما مستقبل القبلة، لان ذلك أبلغ في الردع والزجر. وقال ابن كنانة: يحلف جالسا، قال ابن العربي: والذي عندي أنه يحلف كما يحكم عليه بها إن كان (2) قائما فقائما وإن جالسا فجالسا إذ لم يثبت في أثر ولا نظر اعتبار ذلك من قيام أو جلوس.