قوله تعالى: وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين (4) فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون (5) قوله تعالى: (وهو الله في السماوات وفي الأرض) يقال: ما عامل الاعراب في الظرف من " في السماوات وفى الأرض "؟ ففيه أجوبة: أحدها - أي وهو الله المعظم أو المعبود في السماوات وفي الأرض، كما تقول: زيد الخليفة في الشرق والغرب أي حكمه.
ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتدبير في السماوات وفي الأرض، كما تقول: هو في حاجات الناس وفي الصلاة ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى: وهو الله في السماوات وهو الله في الأرض. وقيل: المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض فلا يخفى عليه شئ، قال النحاس: وهذا (1) من أحسن ما قيل فيه. وقال محمد بن جرير: وهو الله في السماوات ويعلم سركم وجهركم في الأرض فيعلم مقدم في الوجهين والأول أسلم وأبعد من الاشكال وقيل غير هذا. والقاعدة تنزيهه عز وجل عن الحركة والانتقال وشغل الأمكنة. (ويعلم ما تكسبون) أي من خير وشر. والكسب الفعل لاجتلاب نفع أو دفع ضرر ولهذا لا يقال لفعل الله كسب.
قوله تعالى: (وما تأتيهم من آية) أي علامة كانشقاق القمر ونحوها. و " من " لاستغراق الجنس، تقول: ما في الدار من أحد. (من آيات ربهم) " من " الثانية للتبعيض. و (معرضين) خبر " كانوا ". والاعراض ترك النظر في الآيات التي يجب أن يستدلوا بها على توحيد الله عز وجل من خلق السماوات والأرض وما بينهما وأنه يرجع إلى قديم [حي] (2) غني عن جميع الأشياء قادر لا يعجزه شئ عالم لا يخفى عليه شئ من المعجزات التي أقامها لنبيه صلى الله عليه وسلم (3)، ليستدل بها على صدقه في جميع ما أتى به (4).