وهو في هذه السورة عام لجميع الصلوات. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ سورة " المائدة " في حجة الوداع وقال: (يا أيها الناس إن سورة المائدة من آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها) ونحوه عن عائشة رضي الله عنها موقوفا، قال جبير بن نفير: دخلت على عائشة رضي الله عنها فقالت: هل تقرأ سورة " المائدة "؟ فقلت: نعم، فقالت: فإنها من آخر ما أنزل الله، فما وجدتم فيها من حلال فأحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه.
وقال الشعبي: لم ينسخ من هذه السورة إلا قوله: " ولا الشهر الحرام ولا الهدي " [المائدة: 2] الآية.
وقال بعضهم: نسخ منها " أو آخران من غيركم " [المائدة: 106].
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد وأنتم حرم إن الله يحكم ما يريد (1) فيه سبع مسائل:
الأولى - قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا) قال علقمة: كل ما في القرآن " يا أيها الذين آمنوا " فهو مدني و " يا أيها الناس " [النساء: 1] فهو مكي، وهذا خرج على الأكثر، وقد تقدم. (1) وهذه الآية مما تلوح فصاحتها وكثرة معانيها على قلة ألفاظها لكل ذي بصيرة بالكلام، فإنها تضمنت خمسة أحكام: الأول: الامر بالوفاء بالعقود، الثاني: تحليل بهيمة الأنعام، الثالث - استثناء ما يلي بعد ذلك، الرابع - استثناء حال الاحرام فيما يصاد، الخامس - ما تقتضيه الآية من إباحة الصيد لمن ليس بمحرم. وحكى النقاش أن أصحاب الكندي قالوا له: أيها الحكيم أعمل لنا مثل هذا القرآن فقال: نعم! أعمل مثل بعضه، فاحتجب أياما كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد، إني فتحت المصحف فخرجت سورة " المائدة " فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحلل تحليلا عاما،