ونفوذ شهادته عليه، لأنه أمر بالعدل وإن أبغضه، ولو كان حكمه عليه وشهادته لا تجوز فيه مع البغض له لما كان لامره بالعدل فيه وجه. ودلت الآية أيضا على أن كفر الكافر لا يمنع من العدل عليه، وأن يقتصر بهم على المستحق من القتال والاسترقاق، وأن المثلة بهم غير جائزة وإن قتلوا نساءنا وأطفالنا وغمونا بذلك، فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدا لايصال الغم والحزن إليهم، وإليه أشار عبد الله بن رواحة بقوله في القصة المشهورة (1)، هذا معنى الآية. وتقدم في صدر هذه السورة (2) معنى قوله: " لا يجر منكم شنآن قوم ". وقرئ " ولا يجر منكم " قال الكسائي:
هما لغتان. وقال الزجاج: معنى " لا يجرمنكم " لا يدخلنكم في الجرم، كما تقول: آثمني أي أدخلني في الاثم. ومعنى (هو أقرب للتقوى) أي لان تتقوا الله. وقيل: لان تتقوا النار.
ومعنى (لهم مغفرة وأجر عظيم) أي قال الله في حق المؤمنين: " لهم مغفرة وأجر عظيم " أي لا تعرف كنهه أفهام الخلق، كما قال: " فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين " (3) [السجدة: 17].
وإذا قال الله تعالى: " أجر عظيم " و " أجر كريم " [يس: 11] و " أجر كبير " [هود: 11] فمن ذا الذي يقدر قدره؟.
ولما كان الوعد من قبيل القول حسن إدخال اللام في قوله: " لهم مغفرة " وهو في موضع نصب، لأنه وقع موقع الموعود به، على معنى وعدهم أن لهم مغفرة أو وعدهم مغفرة إلا أن الجملة وقعت موقع المفرد، كما قال الشاعر (4):
وجدنا الصالحين لهم جزاء * وجنات وعينا سلسبيلا وموضع الجملة نصب، ولذلك عطف عليها بالنصب. وقيل: هو في موضع رفع على أن يكون الموعود به محذوفا، على تقدير لهم مغفرة وأجر عظيم فيما وعدهم به. وهذا المعنى عن الحسن.
(والذين كفروا) نزلت في بني النضير. وقيل: في جميع الكفار.
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون (11)