قال أبو علي " شهادة " رفع بالابتداء والخبر في قوله: " اثنان " التقدير شهادة بينكم في وصاياكم شهادة اثنين، فحذف المضاف وأقام المضاف (1) إليه مقامه، كما قال تعالى:
" وأزواجه أمهاتهم " (2) [الأحزاب: 6] أي مثل أمهاتهم. ويجوز أن يرتفع " اثنان " ب " - شهادة "، التقدير وفيما أنزل عليكم أو ليكن منكم أن يشهد اثنان، أو ليقم الشهادة اثنان.
السادسة - قوله تعالى: (ذوا عدل منكم) " ذوا عدل " صفة لقوله: " اثنان " و " منكم " صفة بعد صفة. وقوله: " أو آخران من غيركم " أي أو شهادة آخرين من غيركم، فمن غيركم صفة لآخرين. وهذا الفصل هو المشكل في هذه الآية، والتحقيق فيه أن يقال:
اختلف العلماء فيه على ثلاثة أقوال:
الأول - أن الكاف والميم في قوله: " منكم " ضمير للمسلمين " وآخران من غيركم " للكافرين فعلى هذا تكون شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة في السفر إذا كانت وصية، وهو الأشبه بسياق الآية، مع ما تقرر من الأحاديث. وهو قول ثلاثة من الصحابة الذين شاهدوا التنزيل، أبو موسى الأشعري وعبد الله بن قيس (3)، وعبد الله بن عباس فمعنى الآية من أولها إلى آخرها على هذا القول أن الله تعالى أخبر أن حكمه في الشهادة على الموصي إذا حضر الموت أن تكون شهادة عدلين فإن كان في سفر وهو الضرب في الأرض، ولم يكن معه أحد من المؤمنين، فليشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر، فإذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة (4) أنهما ما كذبا وما بدلا، وأن ما شهدا به حق، ما كتما فيه شهادة وحكم بشهادتهما، فإن عثر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا، ونحو هذا مما هو إثم حلف رجلان من أولياء الموصي في السفر، وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما. هذا معنى الآية على مذهب أبي موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، ويحيى بن يعمر، وسعيد بن جبير وأبي مجلز وإبراهيم وشريح وعبيدة السلماني، وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي وابن عباس وغيرهم. وقال به من الفقهاء سقيان الثوري، ومال إليه أبو عبيد القاسم بن سلام لكثرة من قال به. واختاره أحمد بن حنبل وقال: شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين في السفر