قوله تعالى: إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112) قوله تعالى: " إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم " على ما تقدم من الاعراب.
" هل يستطيع ربك ". قراءة الكسائي وعلي وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد " هل تستطيع " بالتاء " ربك " بالنصب. وأدغم الكسائي اللام من " هل " في التاء. وقرأ الباقون بالياء، " ربك " بالرفع، وهذه القراءة أشكل من الأولى، فقال السدي: المعنى هل يطيعك ربك إن سألته " أن ينزل " فيستطيع بمعنى يطيع، كما قالوا: استجاب بمعنى أجاب، وكذلك استطاع بمعنى أطاع. وقيل المعنى: هل يقدر ربك وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله عز وجل، ولهذا قال عيسى في الجواب عند غلطهم وتجويزهم على الله ما لا يجوز: " اتقوا الله إن كنتم مؤمنين " أي لا تشكوا في قدرة الله تعالى.
قلت: وهذا فيه نظر، لان الحواريين خلصان الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم كما قال:
" من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله " [الصف: 14] (1). وقال عليه السلام: [لكل نبي حواري وحواري الزبير] ومعلوم أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم جاءوا بمعرفة الله تعالى وما يجب له وما يجوز وما يستحيل عليه وأن يبلغوا ذلك أممهم، فكيف يخفى ذلك على من باطنهم واختص بهم حتى يجهلوا قدرة الله تعالى؟ إلا أنه يجوز أن يقال: إن ذلك صدر ممن كان معهم، كما قال بعض جهال الاعراب للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط (2)، وكما قال من قال من قوم موسى: " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة " [الأعراف: 138] على ما يأتي بيانه في " الأعراف " (3) إن شاء الله تعالى. وقيل: إن القوم لم يشكوا في استطاعة الباري سبحانه لأنهم كانوا مؤمنين عارفين عالمين، وإنما هو كقولك للرجل: هل يستطيع فلان أن يأتي