الثانية - قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم) أي يعضدهم على المسلمين (فإنه منهم) بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع الموالاة، وقد قال تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار " (1) [هود: 113] وقال تعالى في " آل عمران ": " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " (2) [آل عمران: 28] وقال تعالى: " لا تتخذوا بطانة من دونكم " (2) [آل عمران: 118] وقد مضى القول فيه.
وقيل: إن معنى " بعضهم أولياء بعض " أي في النصرة " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " شرط وجوابه، أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم، فصار منهم أي من أصحابهم.
قوله تعالى: فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين (52) ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين اقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين (53) قوله تعالى: (فترى الذين في قلوبهم مرض) شك ونفاق، وقد تقدم في " البقرة " (3) والمراد ابن أبي وأصحابه (يسارعون فيهم) أي في موالاتهم ومعاونتهم. (يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة) أي يدور الدهر علينا إما بقحط فلا يميروننا ولا يفضلوا علينا، وإما أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الامر لمحمد صلى الله عليه وسلم. وهذا القول أشبه بالمعنى، كأنه من دارت تدور، أي نخشى أن يدور الامر، ويدل عليه قوله عز وجل: " فعسى الله أن يأتي بالفتح "، وقال الشاعر:
يرد عنك القدر المقدورا * ودائرات الدهر أن تدورا