وقال: " نزلنا " على المبالغة بطول مكث الكتاب بين السماء والأرض والكتاب مصدر بمعنى الكتابة فبين أن الكتابة في قرطاس، لأنه غير معقول كتابة إلا (1) في قرطاس أي في صحيفة والقرطاس الصحيفة، ويقال: قرطاس بالضم، وقرطس فلان إذا رمى فأصاب الصحيفة الملزقة بالهدف. (فلمسوه بأيديهم) أي فعاينوا ذلك ومسوه باليد كما اقترحوا وبالغوا في ميزه وتقليبه جسا بأيديهم ليرتفع كل ارتياب ويزول عنهم كله إشكال، لعاندوا فيه وتابعوا (2) كفرهم، وقالوا: سحر مبين إنما سكرت أبصارنا وسحرنا، وهذه الآية جواب لقولهم: " حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " (3) [الاسراء: 93] فأعلم الله بما سبق في علمه من أنه لو نزل لكذبوا به. قال الكلبي:
نزلت في النضر بن الحرث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد قالوا: " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " (3) [الاسراء: 90] الآية.
قوله تعالى: وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر ثم لا ينظرون (8) ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9) ولقد استهزئ برسل من قبلك فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون (10) قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه ملك) اقترحوا هذا أيضا. و " لولا " بمعنى هلا.
(ولو أنزلنا ملكا لقضى الامر) قال ابن عباس: لو رأوا الملك على صورته لماتوا إذ لا يطيقون رؤيته. مجاهد وعكرمة: لقامت الساعة. قال الحسن وقتادة: لأهلكوا بعذاب الاستئصال، لان الله أجرى سنته بأن من طلب آية فأظهرت له فلم يؤمن أهلكه الله في الحال.
(أي لا ينظرون) أي لا يمهلون ولا يؤخرون.
قوله تعالى: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) أي لا يستطيعون أن يروا الملك في صورته إلا بعد التجسم بالأجسام الكثيفة، لان كله جنس يأنس بجنسه وينفر من غير جنسه، فلو جعل الله تعالى الرسول إلى البشر ملكا لنفروا من مقاربته، ولما أنسوا به، ولداخلهم