واستسلم. والله بغيبه أحكم وأعلم. هذا أصح ما قيل في وفاة موسى عليه السلام. وقد ذكر المفسرون في ذلك قصصا وأخبارا الله أعلم بصحتها، وفي الصحيح غنية عنها. وكان عمر موسى مائة وعشرين سنة، فيروى أن يوشع رآه بعد موته في المنام فقال له: كيف وجدت الموت؟
فقال: " كشاة تسلخ وهي حية ". وهذا صحيح معنى، قال: صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن للموت سكرات) على ما بيناه في كتاب " التذكرة ". وقوله: " فلا تأس على القوم الفاسقين " أي لا تحزن. والأسى الحزن، أسى يأسى أسى أي حزن، قال: (1) * يقولون لا تهلك أسى وتحمل * قوله تعالى: واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين (27) فيه مسألتان:
الأولى - قوله تعالى: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) الآية. وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التنبيه من الله تعالى على أن ظلم اليهود، ونقضهم المواثيق والعهود كظلم ابن آدم لأخيه. المعنى: إن هم هؤلاء اليهود بالفتك بك يا محمد فقد قتلوا قبلك الأنبياء، وقتل قابيل هابيل، والشر قديم. أي ذكرهم هذه القصة فهي قصة صدق، لا كالأحاديث الموضوعة، وفي ذلك تبكيت لمن خالف الاسلام، وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. واختلف في ابني آدم، فقال الحسن البصري: ليسا لصلبه، كانا رجلين من بني إسرائيل - ضرب الله بهما المثل في إبانة حسد اليهود - وكان بينهما خصومة، فتقربا بقربانين ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل.
قال ابن عطية: وهذا وهم، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب؟ والصحيح أنهما ابناه لصلبه، هذا قول الجمهور من المفسرين وقاله ابن عباس وابن عمر وغيرهما، وهما قابيل وهابيل، وكان قربان قابيل حزمة من سنبل - لأنه كان